توازن الرعب والبدائل الأمنية.. نقاط ضعف بشرية في الجدار الأمني الإسرائيلي..!
كتب / حسن عبد الهادي العگيلي
في واحدة من أكثر العمليات الاستخبارية جرأةً وإثارةً في العقدين الأخيرين، كشفت تقارير وتسريبات إعلامية عن عملية نوعية نفذتها استخبارات الحرس الثوري الإيراني، تمكّنت خلالها من التسلل إلى شبكات معلومات حساسة تخص المنشآت النووية الإسرائيلية، والوصول إلى وثائق أمنية من الدرجة الأولى، تُنذر ـ بحسب المصادر ـ بإمكانية الإطاحة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وزعزعة المنظومة الأمنية الإسرائيلية من الداخل.
أولاً: طبيعة الاختراق وحدوده
العملية لم تكن هجومًا سيبرانيًا تقليديًا فحسب، بل جزءًا من خطة استخبارية مركّبة، اعتمدت على استثمار ثغرات بشرية وتقنية، وتشير المعطيات إلى أن مراحل الإعداد والتنفيذ استغرقت سنوات، تضمنت خلالها الاستخبارات الإيرانية مراقبة دقيقة وتحليلًا طويل الأمد لسلوكيات وشبكات علاقات شخصيات إسرائيلية نافذة في المؤسسات العسكرية والنووية.
هذا الاختراق كشف عن نقاط ضعف بشرية في منظومة طالما اعتُبرت بين الأكثر صرامة وانغلاقًا في العالم، مما يطرح تساؤلات وجودية حول هشاشة “الجدار الأمني الإسرائيلي” أمام خصمٍ يشتغل بصمت، ويصبر طويلًا ليضرب في العمق.
ثانيًا: تداعيات الاختراق على الأمن القومي الإسرائيلي
تمثل المنشآت النووية، وعلى رأسها مفاعل “ديمونا”، رمز السيادة والردع الإسرائيلي. واختراق أسرارها لا يعني فقط كشف مواقع أو خطط، بل ضرب العقيدة الأمنية الإسرائيلية من جذورها.
إذا صحت هذه التسريبات، فإن أبرز التداعيات ستكون:
انكشاف الردع النووي: تل أبيب التي تعتمد على الغموض النووي كركن أساسي في استراتيجيتها الدفاعية، تجد نفسها فجأة في موقف المُدافع المُرتبك أمام خصم يُهدد بكشف المستور.
أزمة ثقة داخلية: تسريب وثائق من هذا العيار يُعد فضيحة أمنية بكل المقاييس، وسيقود حتمًا إلى مساءلات داخل الموساد والشاباك، وربما إلى استقالات وإعادة هيكلة واسعة.
ضربة لنتنياهو: إذا ثبت أن رئيس الوزراء كان على علم بالمخاطر أو أخفى جوانب منها عن الرأي العام والمؤسسة الأمنية، فإن الكلفة السياسية قد تكون باهظة، وربما تقوده إلى نهاية حياته السياسية وسط عاصفة من الغضب.
ثالثًا: أبعاد استراتيجية ودوافع إيرانية
العملية ليست مجرد انتصار استخباري، بل جزء من مواجهة استراتيجية طويلة النفس بين طهران وتل أبيب. والرسائل متعددة الأبعاد:
الردع الاستخباري المضاد: إيران تُظهر أن أي تهديد لمفاعلاتها النووية سيقابله كشف أسرار أكثر خطورة في الجانب الآخر.
استعراض القدرة العميقة: العملية تُثبت أن المعركة لم تعد على الأرض فقط، بل في العقول والتخطيط طويل الأمد، وأن إيران قادرة على أن تصل حيث لا يتوقع أحد.
توازن الرعب: إسرائيل لم تعد وحدها في ساحة الهيمنة الاستخبارية، بل باتت أمام خصم يستطيع أن يُعيد تعريف موازين القوى من تحت الطاولة.
رابعًا: رسائل إلى دول الإقليم
تسريب خبر الاختراق في توقيت إقليمي حساس ليس عشوائيًا. فإيران توجّه رسالة واضحة:
> من يراهن على التحالف الأمني مع إسرائيل، عليه أن يراجع حساباته.
فالعملية تكشف أن إسرائيل، رغم كل ما يُقال عن قوتها، ليست درعًا لا يُخترق. وهذا يعزز الشكوك لدى بعض العواصم الخليجية التي راهنت على الشراكة الأمنية مع تل أبيب، ويُعيد طرح فكرة “البدائل الأمنية” في المنطقة.
خامسًا: ملامح حرب استخبارية قادمة
المعركة المقبلة لن تُخاض بالدبابات ولا بالمقاتلات، بل بـ”الاختراق الناعم”، وتحطيم المنظومات من الداخل.
وإيران – رغم العقوبات والتضييق – أثبتت أنها لاعب استخباري من الطراز الأول، يمتلك الرؤية والصبر والأدوات اللازمة لضرب أعدائه في أماكن غير متوقعة.
والأخطر من ذلك، أن هذا النجاح الإيراني لن يقف عند حدوده الحالية، بل قد يُحفّز جبهات أخرى لاتباع نفس المسار، في وقت يبدو فيه أن النظام الأمني الإسرائيلي يمرّ بأضعف مراحله منذ تأسيسه.
خاتمة:
إذا ما تمّ تأكيد صحة الوثائق المسربة، فإن الشرق الأوسط سيدخل فصلًا جديدًا من توازنات الردع، عنوانه الأبرز:
من يملك المعلومة يملك الهيمنة.
ويبدو أن هذه الهيمنة، ولو مؤقتًا، باتت في قبضة طهران، بينما تُجبر تل أبيب على مواجهة أكثر ما تخشاه: مرآة ضعفها الأمني من الداخل.
