من يُجَرِّدُ الأمةَ من دِرعِها الأخير؟!
كتب / كندي الزهيري
حينَ يُصبِح السِّلاحُ تهمةً، في زمنٍ اختلطت فيه المواقفُ ، وتغيَّرت فيه البوصلاتُ بتغيُّرِ الرياحِ السياسية، غدا السلاحُ الشريفُ في أعينِ بعضهم جرمًا، لا وسيلةَ دفاع، وجريمةً لا مكرُمة. لم يعُدِ الحديثُ عن “نزع السلاح” يعبّر عن مشروعِ بناءٍ لدولةٍ عادلة، بل أضحى مِعولًا يُوجَّه إلى صميمِ المقاومة، وجرحًا يُرادُ به شلّ إرادةِ الأمَّة.
فما الفرقُ بين “نزع السلاح” و”حصره السلاح “؟، ولِمَن تُرفَعُ هذه الشعارات؟
ومن يُرادُ تجريدُه، أمن القاتل أم من وقف في وجه القَتَلة؟
أولًا: الفرقُ بين الحصر السلاح والنزع السلاح ؛
حصرُ السلاح يعني أن تكون الدولةُ أمًّا عادلة، وسلطةً عادلة، وأن تتولّى هي وحدها أمرَ السلاح، دون أن تكون أداةً بيدِ المحتلّ أو تابعةً للمشاريع الأجنبية.
أما نزع السلاح، فهو أن يُطلَب من الشرفاء أن يسلِّموا سلاحهم، بينما السلاحُ الآخر يسرَح ويمرَح، ويحمي الفساد، ويغتال الحقيقة، ويؤمِّنُ حدودَ العدو لا حدود الوطن. الحصرُ السلاح يتبع فعلُ دولةٍ ذات سيادة،
أما النزعُ السلاح فهو مشروعٌ مخابراتيّ، تُراد به تصفيةُ ما تبقّى من صدى الكرامة.
ثانيًا: الجغرافيا تُنتِجُ سلاحَها : لا يَنتجُ السلاحُ الشريفُ من فراغ… إنه إفرازُ مرحلةٍ غاب فيها صوتُ الدولة، وحضرت الوحوش التكفير، وتحوّلت المدنُ إلى رمادٍ بفعلِ مشاريع الخارج…سلاحُ الشرفاء هو استجابةُ الأرضِ لنزيفِها، هو رفضُ المذلّة حين صمتَ الجميع،هو صرخةُ النجف، والموصل، والفلوجة، والناصرية، حين اقترب الظلامُ من بيوتهم. من أراد نزع هذا السلاح، فعليه أولًا أن يُجِب: من كان في الميدان حين غابت الدولة؟
ثالثًا: من يرفعُ شعار نزع السلاح ؟ ،
تأمَّل الأسماءَ التي تُطالب بنزع السلاح: ” سياسيّون ارتبطوا بسفاراتٍ أجنبية ، و إعلاميّون دُمِغت وجوهُهم بختمِ الخيانة، نُخبٌ رخوةٌ تهاب صوتَ المقاوم أكثر من صوتِ المحتلّ “، هؤلاء لا يخشَون الفوضى، بل يخشَون أن يظلّ في الأمةِ من يملك الجرأةَ على قول “كلا”. يُريدونها أمةً بلا أنياب،يريدون رجالَها بلا سلاح،يريدون عراقًا مستلقِيًا على ظهره، ينتظر الغزو في كلّ فجرٍ جديد.
رابعًا: الحصر السلاح … في يدِ مَن؟، حين تُطرَحُ فكرة “حصر السلاح” نسأل: (هل الحصرُ سيكون بيدِ دولةٍ مستقلة في القرار؟، هل سيُجمَع السلاحُ من كلّ الأيادي؟، أم فقط من صدور الذين حمَوا بغدادَ يوم تخلّت عنها عواصمُ القرار؟” ، إنه مشروعُ تفكيك، لا مشروعُ حصر . إنه تفريغٌ للعراق من مناعته، وتسليمٌ غير معلنٍ المستعمر .
خامسًا: لو نُزِع السلاح… فماذا بعد؟ ، افترِضوا أنّ السلاحَ قد نُزِع: من سيصدُّ العدوّ إذا قرّر أن يلبس ثوبًا جديدًا؟، من سيردع الخلايا النائمة إن استُدعيَت من جديد؟، من يحمي السيادةَ حين يتحوّلُ بعض الحُكّام إلى سماسرةِ مصالح؟ ، من يحمي الدولة إذا هرب رجالها وتركوها تواجه مصيرها وحدها ،كما فعلوا في ٢٠١٤م ؟” …السلاحُ الشريفُ ليس بندقية، بل عقيدة، هو عزيمةُ مقاوم، لا مرتزق،هو ما تبقّى من صوتِ الدم الذي سالَ في سبيل أن يظلَّ هذا الوطنُ حيًّا .
سادسًا: الطريق الثالث — لا فوضى ولا تجريد
الحلّ ليس نزعًا، ولا فوضى، بل تقنينٌ وحمايةٌ للمقاومة تحت مظلّة وطنية رشيدة: و الاعتراف بسلاح المقاومة كسلاحٍ شرعيّ في مرحلةٍ انتقالية؛ و دمج الرؤية الأمنية في مشروع الدولة الحقيقي، لا الدولة التابعة؛ حمايةُ هوية السلاح، كي لا ينزلق إلى يدِ من لا يؤمن بالقضية العادلة .
لا تخلعوا الدرعَ في زمن السهام ، قيل للامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: سلِّم، فقال: “إن كان دينُ محمدٍ لا يستقيم إلا بقتلي، فيا سيوفُ خُذيني.”
واليوم، يُقالُ للمقاوم: سلِّم سلاحَك، في زمنٍ لم يستقم فيه الوطنُ إلا بدمه… فهل نكافئه بالتجريد؟ وهل يُجزى حامي الدار بنزع رمحه؟، يا من تنادون بنزع سلاح الشرفاء: أنتم لا تجرِّدون رجلاً من حديد، بل تخلعونَ من صدورنا آخر قطعة من الكبرياء. وما بعد الكرامةِ إلا الاستعمار… فاحذروا.