الكوت أحزان عراقية متجددة..!
كتب / إياد الإمارة
في مساء قاتم من أماسي العراق المنكوب، وعلى ضفاف دجلة الحزينة، اشتعلت النيران في مدينة الكوت، لا في قلوب أهلها وحدهم، بل في أجسادهم وأرواحهم أيضاً.
«المول» الذي كان وجهة الناس للفرح، للتسوق، للهروب من ضغوط الحياة اليومية، تحول في لحظات إلى فرن مشتعل التهم كل شيء:
البشر، البضائع، الأحلام، الضحكات، وحتى آمال البسطاء الذين كانوا هناك.
في ساعات قليلة، تصاعدت ألسنة اللهب، وعجزت فرق الدفاع المدني عن إخمادها، كما عجز هذا البلد منذ سنوات طويلة عن إخماد نيرانه المتتالية:
– الفساد،
– الإهمال،
– سوء الإدارة،
– وغياب الدولة.
عشرات الضحايا احترقوا أحياء، وبينهم أطفال ونساء ورجال، قضوا في مشهد مأساوي تتكرر تفاصيله في العراق من كارثة إلى كارثة!
أجسادهم تفحمت، وأسماؤهم تحولت إلى صور مؤطرة في وسائل الإعلام، في حين بقيت الأسئلة تتصاعد مع الدخان:
• أين إجراءات السلامة؟
• من المسؤول عن هذا الموت المجاني؟
• لماذا تتكرر المأساة وكأن أرواح الناس لا قيمة لها؟
ما حدث في الكوت ليس قدراً، هي جريمة ..
ما حدث في الكوت ليس “حادثاً عابراً”، ولا “قضاءً وقدراً” كما اعتاد البعض أن يقول ..
الحادث جريمة مكتملة الأركان، تبدأ من التراخيص العشوائية للمشاريع التجارية، مروراً بغياب الرقابة الحكومية، وانتهاء بتقصير أجهزة الطوارئ التي لم تكن مهيأة للتعامل مع كارثة بهذا الحجم.
إنها فاجعة تضاف إلى سجل العراق الثقيل بالمآسي، من كارثة مستشفى ابن الخطيب في بغداد إلى فاجعة الناصرية، واليوم الكوت، والغد لا يعلمه إلا الله.
دموع العراق إلى متى؟
أهالي الكوت اليوم يدفنون أبناءهم بأيديهم، وسط صمت رسمي مخجل وبيانات استنكار محفوظة لا تروي جراحهم ..
في الكوت، سكنت النار، لكن الحزن باق، والخوف باق، والتساؤل المرير باق:
إلى متى يبقى العراقيون يحترقون وهم يركضون وراء لقمة العيش أو لحظة سعادة مؤقتة؟
إلى متى سيبقى الفساد والإهمال أخطر من الحروب والرصاص؟
في العراق، حتى الحياة اليومية صارت مقامرة بالموت!
الكوت اليوم تحترق، ومن قبلها مدن كثيرة، والغريب أن المسؤولين لا تحترق وجوههم خجلاً!
الرحمة للشهداء، والصبر لأهل الكوت وأهل العراقي جميعاً.
لكن الوطن بحاجة إلى ما هو أكبر من الصبر ..
بحاجة إلى صحوة ضمير توقف هذا العبث، قبل أن تحترق بقية المدن.