سفراء الأرحام
كتب / د. خالد القرة غولي
منذ العام ( 2003 ) وحتى اليوم : لم يعد تعيين السفراء العراقيين في الخارج يُبنى على أسس مهنية واضحة أو معايير دبلوماسية رصينة ، بل أصبح امتدادًا لمنظومة المحاصصة السياسية والعائلية التي أرهقت مفاصل الدولة العراقية ، وعمّقت من أزمة الثقة بين المواطن ومؤسساته ؟ مصطلح ( سفراء الأرحام ) لم يأتِ من فراغ، بل بات وصفًا دقيقًا لحالة اختزال التمثيل الخارجي للعراق ضمن دائرة ضيقة من العلاقات الحزبية والقرابة ، حيث أصبحت السفارات أشبه بـ(إقطاعيات عائلية) تُدار وفق منطق الغنيمة ، لا المصلحة الوطنية ؟
– المحاصصة تهزم الكفاءة :
وزارة الخارجية : باعتبارها واجهة العراق الرسمية أمام العالم ، يفترض أن تكون مؤسسة مهنية بامتياز، تحتكم إلى الكفاءة والخبرة والمعرفة الدبلوماسية , لكن الواقع يشير إلى أن غالبية السفراء المعينين في العقدين الأخيرين جاؤوا عبر ترشيحات حزبية أو توصيات عائلية ، دون المرور بتقييم موضوعي أو دورات تأهيلية , كثير منهم لا يمتلك حتى أبسط مقومات العمل الدبلوماسي ، كإجادة اللغة أو فهم البروتوكول الدولي ؟
– مناصب بالوراثة :
اللافت أن بعض السفراء لم يسبق لهم أن زاروا العراق لعقود ، وآخرين يحملون جنسية الدولة التي يعملون فيها ، في مخالفة صريحة للدستور العراقي الذي يمنع تولي المناصب السيادية لحملة الجنسيات الأجنبية , وهناك تقارير صحفية تشير إلى أن قوائم التعيينات الأخيرة شملت أسماء مقربين من قيادات سياسية بارزة ، وأبناء وزوجات وشركاء مسؤولين ، ما يعكس خللًا خطيرًا في نظام التوظيف الخارجي ؟
– التمثيل الفارغ :
ماذا قدّم هؤلاء السفراء للعراق ؟ في كثير من الحالات ، كانت النتيجة صفرًا دبلوماسيًا , لم تُفتح فرص استثمار، ولم تُبرم اتفاقات استراتيجية ، ولم تُصنع جسور تواصل مع الجاليات العراقية في الخارج , بل إن بعض السفارات تحوّلت إلى مراكز مغلقة تخدم أجندات فردية أو فئوية ، وتستهلك موارد مالية هائلة دون مردود يذكر ؟
– البرلمان والرقابة الغائبة :
رغم محاولات خجولة من بعض أعضاء مجلس النواب لمساءلة وزارة الخارجية حول هذه التعيينات ، إلا أن غياب الإرادة السياسية وضعف الرقابة ساهم في استمرار هذه الظاهرة , بل إن بعض الكتل البرلمانية دافعت عن مرشحيها بدلاً من مساءلتهم ، مما جعل أي إصلاح حقيقي في السلك الدبلوماسي أمرًا مؤجلاً إلى أجل غير مسمى ؟
– إلى أين ؟
إن استمرار هذا النمط من التعيينات العائلية والحزبية ، يعني المزيد من العزلة الدولية للعراق ، والمزيد من الفرص الضائعة على المستوى الاقتصادي والثقافي والدبلوماسي , فكيف يمكن للعالم أن يأخذ العراق على محمل الجد ، وسفراؤه لا يمثلونه بل يمثلون مصالح خاصة ؟
– الخاتمة :
لا ينهض العراق إلا إذا وُضعت الكفاءة في مكانها الصحيح ، وخرجت مؤسسات الدولة من عباءة الأرحام والولاءات الضيقة , ما يحتاجه العراق ليس فقط إصلاحًا إداريًا ، بل ثورة أخلاقية في فهم وظيفة الدولة ، تبدأ من إعادة الاعتبار لمؤسسات حساسة كوزارة الخارجية، وتطهيرها من “سفراء الأرحام ، لصالح من يمثلون العراق بحق ، بعقل وضمير وولاء للوطن فقط ؟
والى الله ترجع الأمور ..