نواب تحولوا إلى معقبي معاملات : أزمة دور وخلل في الأداء البرلماني ؟
كتب / الدكتور خالد القرة غولي
في مشهد سياسي يعكس حجم التراجع في أداء المؤسسات الديمقراطية ، بات من المألوف في العراق أن ترى بعض أعضاء مجلس النواب وهم يؤدون أدوارًا ليست من صميم مهامهم التشريعية والرقابية ، بل تحوّلوا إلى أشبه بـ(معقّبي معاملات) في دوائر الدولة ، يتوسطون لتعيين هذا أو لتسريع معاملة ذاك ، وكأنهم موظفون في مؤسسات تنفيذية لا مشرّعون ممثلون للشعب.
– نواب بين الدور الرقابي والتدخل التنفيذي :
البرلمان : وفق الدستور .. هو سلطة تشريعية تراقب أداء الحكومة وتقترح القوانين وتدافع عن مصالح المواطنين من خلال الرقابة السياسية , لكن في الواقع العراقي ، تبدو الصورة مختلفة ؛ حيث تحول بعض النواب إلى واجهات خدمية تقوم بأدوار تنفيذية بحتة ، مثل المراجعة في الدوائر الحكومية، التوسط في التعيينات، أو الضغط على مسؤولين لتخصيص قطع أراضٍ أو تسوية معاملات، وهي مهام يفترض أن يقوم بها الجهاز التنفيذي ضمن مؤسساته، لا من قبل نواب الشعب.
– الأسباب : غياب المؤسسية وثقافة الخدمة المباشرة ..
هذا التحوّل له أسباب عديدة ، أبرزها غياب المجالس المحلية بعد حلها لسنوات، ما أضعف التمثيل الإداري للمواطن في المحافظات وفتح الباب لتدخل النواب في شؤون الدوائر التنفيذية. أضف إلى ذلك ثقافة المواطن الذي يرى في النائب “واسطة” لحل مشاكله الشخصية ، لا ممثلًا لمصالحه العامة. أمام هذا الضغط، يجد بعض النواب أنفسهم مضطرين لممارسة أدوار لا تليق بموقعهم، حفاظًا على رصيدهم الانتخابي ؟ من جانب آخر، استغلت بعض الكتل السياسية هذا النمط من العلاقة لتكريس زعامتها المحلية، عبر تقديم نوابها كخدّام مباشر للمواطن، ما أدى إلى تشويه صورة العمل البرلماني وتحويله إلى أداة نفوذ داخل مؤسسات الدولة.
– النتائج : ضياع الدور الحقيقي للبرلمان ..
النتيجة المباشرة لهذا الخلل في الأدوار هي تآكل الدور الرقابي للبرلمان ، إذ ينشغل النواب بأداء مهام لا تدخل في صلب عملهم، ما يقلل من تركيزهم على مساءلة الحكومة وكشف الفساد ومراجعة القوانين ؟ والأسوأ من ذلك ، أن بعض النواب أصبحوا جزءًا من شبكات الفساد ، من خلال التدخل لتعيين موظفين مقابل ولاءات حزبية ، أو تسهيل معاملات غير قانونية مقابل مصالح سياسية أو مادية ؟
– كيف يمكن تصحيح المسار ؟
تدارك هذا الانحراف يتطلب إعادة الاعتبار لمفهوم فصل السلطات وتفعيل دور الهيئات الرقابية , يجب أولًا إعادة تفعيل مجالس المحافظات لتقوم بمهامها المحلية ، مما يخفف العبء عن النواب ويمنع تدخلهم المباشر في الشأن التنفيذي , كما يجب على مجلس النواب أن يضع ضوابط داخلية تمنع أعضائه من التدخل في عمل الوزارات والدوائر ، وتفرض محاسبة على كل من يسيء استخدام موقعه النيابي ؟ إضافة إلى ذلك، يجب توعية المواطنين بدور النائب الحقيقي ، وتحفيزهم على مساءلة ممثليهم على أدائهم البرلماني لا على خدماتهم الشخصية ؟
– الخاتمة :
ظاهرة تحوّل النواب إلى معقّبي معاملات ليست مجرد تصرف فردي ، بل مؤشر على أزمة بنيوية في العلاقة بين السلطة التشريعية والمواطن ، وفي فهم طبيعة العمل النيابي ؟ إذا لم تتم معالجتها بشكل جذري ، فإنها ستؤدي إلى مزيد من تآكل الثقة بالمؤسسات ، وتكرّس ثقافة الزبائنية على حساب دولة المؤسسات والقانون ؟ والى الله ترجع الأمور