الانتخابات وتحديات المستقبل

كتب /  علي الخفاجي

يُقال إنه في السياسة – وحسب المواقف والمتغيرات – لا ثوابت دائمة، ولا متغيرات مستمرة؛ حيث لم تعد القوة السياسية مهما كان ثقلها واعتبارها وحدها كفيلة بضمان النفوذ أو الحفاظ على السيادة، بل أصبح العالم – وفق المتغيرات المتسارعة – يشهد تداخلًا متسارعًا، ما يؤثر في الأوضاع السياسية الداخلية للدول. الحديث عن قوة وهشاشة المواقف الداخلية للدول يتجلى بالطبيعة السياسية لتلك الدولة.

 فإذا ما جعلت القوى السياسية مصلحة البلد فوق كل الاعتبارات وغلبت مصالحه على المصالح البينية الأخرى، أصبحت تلك الدولة وفق المفهوم السياسي العام تسمى «دولة مواطنة»، أي إنها تعبر عن المصلحة العامة للبلد. أما إذا كانت عكس ذلك فإنها – وبحكم التعبير المشاع – «دولة مصالح»، وهذا التعبير يمثل الهشاشة بأبهى صورها.

اعتدنا خلال السنوات التي مضت، ومع قرب موعد الانتخابات، أن يكثر الجدل وتكثر المواقف السلبية، وتسود العتمة والأخبار المضللة في محاولة من أصحاب تلك المواقف والأفكار للتأثير في المجتمع، في محاولة لتسقيط المنافسين بكل الطرق والأساليب لكسب أكبر قدر ممكن من الجمهور. وكما اعتدنا أيضًا على رسم التحالفات والتوافقات السياسية مبكرًا في محاولة لجذب أكبر قدر ممكن من الجمهور، لكن على ما يبدو هذه المرة يختلف الأمر عن ذي قبل؛ فتسمية التحالفات – وإن كانت قابلة للتغيير – ابتدأت بشكل أبكر من الانتخابات التي جرت في السابق. حيث تشهد الساحة العراقية صراعًا كبيرًا تحضيرًا للانتخابات النيابية المقبلة، خصوصًا إذا ما علمنا – وحسب إحصائية وزارة التخطيط ووفقًا للتعداد العام الذي أجري في تشرين الثاني 2024 – بأن عدد سكان العراق أصبح ستة وأربعين مليونًا؛ وهذا يعني ستزيد مقاعد مجلس النواب إلى 460 مقعدًا بعد أن كانت 329 مقعدًا. وحسب تلك التحولات والزيادة التي ستكون، سيزيد ذلك الأمر من التنافس والتسقيط في آن واحد، وسط مشهد سياسي معقد وتحولات إقليمية ودولية متسارعة.

هوس الانتخابات الذي أصيب به طيف كبير من المرشحين في الانتخابات المتعاقبة منذ سقوط النظام ولغاية الآن، يعد من الأسباب الرئيسة التي جعلت الجمهور في حالة من النفور والمقاطعة، وانحراف جادة كثير من النواب عن وعودهم الانتخابية، واستخدام الناخبين وسيلة للوصول إلى سدة الحكم. فبدلًا من أن تصبح الانتخابات فرصة للناخب للتعبير عن رأيه الحر بمن يمثله، أمسى – ونتيجة الوعود المضللة – يشعر بغياب دوره في تقرير مصيره وإرادته. وبالتالي فإن الإحباط الذي أصيب به نتيجة لما ذكرنا، هو ما جعل الجمهور المقاطع له الكلمة الطولى.

النظر إلى مستقبل الشعوب يحتاج إلى توسعة مديات الفكر السياسي من قبل القائمين على صناعة القرار السياسي، وهذا الأمر لا بد منه إذا ما أراد أصحاب الرأي والمشورة بناء الوطن وزرع فكرة المواطنة. وعليه، وبما أننا مقبلون على مرحلة مفصلية من مراحل بناء الوطن، لا بد أن تتضافر الجهود لإنجاح الانتخابات المقبلة، والتي لم يتبقَ على إجرائها سوى أشهر قليلة. إن التنافسية المشروعة – حسب وصف البروفيسور وعالم السياسة الأميركي (روبرت ألن) – تتمثل باحترام الحقوق والحريات الرئيسة للمواطنين، وأن تتنافس القوى السياسية على تقديم الأفضل لبناء الدولة، دون المرور بمبدأ التخوين والتسقيط والعزف على أوتار العنصرية والطائفية. وهنا، إذا ما أردنا التحول إلى دولة مواطنة قوية، لا بد من مراجعة المواقف السياسية من جميع الأطراف ومدى تحقيق البرامج الانتخابية لتطلعات الناخب؛ لأن الخطى الحالية القائمة عليها السياسة الداخلية العراقية – وحسب ما هو منظور – تعتريها الكثير من الملاحظات، وتتخللها المزيد من المشكلات التي يجب أن تُعالج. فإذا لم تصوّب تلك الأطراف عملها بالشكل الأمثل، فإنها ستمسي موضع شك ورفض لعامة الجمهور، ومنه الجمهور المقاطع، وسيستمر الحال على ما هو عليه بل وسيزداد سوءًا.