الأنظمة الانتخابية وبناء التوافق في المجتمعات المنقسمة..!
في ظل ما يشهده عالمنا المعاصر من تصاعد النزاعات العرقية والطائفية والسياسية، يبرز سؤال محوري: هل يمكن للانتخابات أن تكون جسرًا نحو التوافق والاستقرار، بدلاً من أن تتحول إلى شرارة تُشعل الانقسامات؟
هذا السؤال شكّل جوهر الكتاب المهم للباحث الأسترالي بنيامين ريلي المعنون: “الأنظمة الانتخابية في المجتمعات المنقسمة”.
يطرح ريلي في عمله رؤية عميقة تقوم على أن النظام الانتخابي ليس مجرد وسيلة تقنية لحساب الأصوات وتوزيع المقاعد، بل هو أداة سياسية قادرة على هندسة السلوك الحزبي والانتخابي، وصياغة طبيعة العلاقة بين مكونات المجتمع المتباينة.
من أبرز ما يناقشه الكتاب هو جدوى النظم الانتخابية التي تمنح الناخب حرية ترتيب المرشحين حسب الأفضلية، مثل نظام التصويت التفضيلي (Alternative Vote) أو نظام التمثيل النسبي التفضيلي (STV). هذه النظم – بحسب ريلي – تخلق حوافز للمرشحين من أجل استقطاب أصوات خارج قواعدهم التقليدية، ما يدفعهم إلى خطاب أكثر اعتدالاً ويشجع على التحالفات العابرة للهويات الضيقة.
لا يكتفي المؤلف بالجانب النظري، بل يعرض تجارب واقعية من دول متعددة مثل أستراليا وإيرلندا ونيجيريا وسريلانكا، حيث ساهمت بعض النظم الانتخابية في تعزيز التعايش، بينما فشلت أخرى في كبح الاستقطاب، الأمر الذي يعكس أهمية السياق السياسي والمؤسساتي المساند.
الرسالة الأبرز التي يخلص إليها ريلي هي أن الهندسة الانتخابية قادرة على أن تكون أداة لإدارة التنوع، إذا ما صُممت بعناية وبما يتناسب مع خصوصية كل مجتمع. فالانتخابات قد تعزز الانقسام إذا أُجريت في بيئة تغيب عنها الضمانات والمؤسسات، لكنها قد تصبح أداة لبناء الاستقرار إذا صيغت قواعدها بما يشجع على التعاون والاعتدال.
أهمية الكتاب في الواقع العربي
تكمن أهمية هذا الكتاب بالنسبة لمجتمعاتنا العربية، ولا سيما تلك التي تعاني من هشاشة سياسية وانقسامات اجتماعية، في أنه يقدّم خريطة طريق عملية لصياغة نظم انتخابية لا تُعمّق الصراع، بل تساعد على تجاوزه. وفي وقت تتجدد فيه النقاشات حول الإصلاح السياسي والديمقراطي، تبدو أفكار ريلي دعوة جادة لإعادة التفكير في قواعد اللعبة الانتخابية بوصفها وسيلة لبناء التوافق، لا لتفجير الانقسامات.