ما بعد زيارة الجولاني إلى واشنطن.. المزيد من الفوضى السياسية والأمنية
كتب / الدكتور حسن مرهج
زيارة الجولاني إلى واشنطن تمثل حدثاً مفصلياً في مسار الملف السوري بعد عقد من الصراع الدامي، لكنها أقل ما توصف به أنها انعكاس جدي على واقع السوريين وإمكانات الحل السياسي. هذه الزيارة ليست سوى فصل جديد في مسرحية معقدة تتلاقح فيها سياسات الإقليم والدول الكبرى، حيث يقف الجولاني في مركز لعبة تحاول شرعنة وجوده وتحويله إلى كيان مقبول دولياً وإقليمياً، مقابل تغييبه شبه الكامل لواقع الداخل السوري ومعاناته.
لا يمكن قراءة خطوة الجولاني عبر زيارة واشنطن بمعزل عن محاولته الحثيثة لاستمالة الخارج، خاصة الولايات المتحدة والدول الإقليمية التي تعتبره أداة استراتيجية في ملفات عدة. هدف الجولاني ليس نهوض سورية ولا مصالح السوريين، بل الحصول على شرعية تخرجه من حالة التنظيم الإرهابي إلى فاعل سياسي، يغلف ممارساته العنيفة وإقصائه للأقليات والمكونات السورية بطابع مقبول سياسياً. التركيز على الشرعية الدولية والإقليمية يكشف حالة اغتراب تامة عن الداخل السوري، وتعمد تتجاهل معاناة السوريين اليومية، حيث لا يرى في الوطن سوى منصة للتأثير الخارجي وليس مجتمعاً يعيش تحت ظلال الحرب والاحتلال والتشريد.
الجولاني يوصل رسالة واضحة. سياسته لم تتغير. إنه يواصل ممارساته التي تستهدف المكونات السورية المختلفة، والأقليات بشكل خاص، والتي تتجلى في خطاب متطرف وإقصائي يؤدي إلى تعزيز الصراعات المجتمعية ويتزامن مع سياسات تكفيرية تتستر تحت قناع ديني متشدد. هذه السياسة الاستعلائية لا تكتفي بتغييب الحوار والتوافق الوطني، بل تشكل تهديداً مباشراً لسلم المجتمع، وتعمق الانقسامات على أسس دينية وطائفية.
السياسة التي يتبعها الجولاني ليست سوى مسرحية مفتوحة على أسس تكفيرية، تلعب دور الديكور في عمليات الاستقطاب الإقليمي والدولي. الصورة التي يروج لها هي أن هيئة تحرير الشام أصبحت الديمقراطية “النصرة سابقاً” على الساحة الدولية، لكن ما يحدث لا يتفق مع واقع ممارساته التكفيرية، بل يُراد منها أن تكون أداة ضغط من الخارج على دمشق والقوى الوطنية. هذا المسرح ليس نابعاً من مشروع وطني وطني، بل من مشروع إقليمي ودولي يعمل على استثمار هذه المجموعات في صراعات نفوذ أكبر وأبعد ما تكون عن المصلحة السورية.
في المقابل لا حديث جدي عن إعادة بناء سورية أو استثمار في اقتصادها بينما يبقى الجولاني والقوى المشابهة جزءاً أساسياً من الأزمة ومنعاً فعلياً لأي حل سياسي داخلي. لا يمكن لأي مشروع اقتصادي أو تنموي أن يثمر في ظل بيئة سياسية مشوهة بفعل الميليشيات المسلحة التي لا تعترف بأحد غير نفسها. تجاهل القضية السياسية الداخلية واستمرار الصراع على النفوذ يعني بالضرورة أن المستقبل الاقتصادي يبقى معلقاً، وأن أي حديث عن الاستثمار مجرد كلام فقير الواقع، لا نافع للسوريين.
النفاق الذي يمارسه اللاعبون الإقليميون والدوليون واضح في محاولاتهم لتعويم الجولاني والفرق المماثلة على حساب الأمن الوطني والسيادة السورية. فهم يستخدمون شعارات الشرعية وحقوق الإنسان لتحصيل مكاسب استراتيجية، إلا أن هذا لا يتعدى كونه غطاء فوق فرض سياسات ومصالح شخصية وتجاذبات نفوذ، على حساب مصالح السوريين الحقيقية وحقوقهم في السلام والسيادة. هذه السياسات المزدوجة تزيد الأوضاع تعقيداً، وتعطل أي مسار فعلي نحو استقرار البلاد.
زيارة الجولاني إلى واشنطن وأثرها الواقعي على الملف السوري يظل بمثابة تذكير بأن الأزمة السورية في جوهرها تجاوزت لعبة الشرعيات الإقليمية والدولية، وأن الحل الحقيقي ما يزال مرتبطاً بإيجاد توافق داخلي جدي يعيد الحق لسكان البلاد ومكونات مجتمعها بدلاً من إبقائهم رهائن لمسرحيات سياسية ذات طابع تكفيري لا تخدم سوى أطراف محدودة تبحث عن مصالحها الخاصة.