صيادلة العراق فائضون عن حاجة المؤسسات !!
كتب / د. باسل عباس خضير …
تعالت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات التي تشكوا من ارتفاع عدد الصيادلة و تدعوا لإيقاف القبول في دراسة تخصص الصيدلة في الجامعات ودعواتهم استندت إلى إحصاءات ، فبموجب المؤشرات العالمية ( لمنظمة WHO ) فان الحاجة الفعلية للصيادلة تبلغ 1 / 2000 من السكان ، ولان عدد السكان يبلغ 46 مليون بموجب أرقام التعداد السكاني فان الحاجة الفعلية هي 23000 صيدلي ، ولكن واقع الحال يشير لوجود 57 ألف صيدلي مسجلون في نقابة الصيادلة ( عدا غير المسجلين ) ، وان عدد الطلبة الدارسين في أقسام وكليات الصيدلة في الجامعات الحكومية ( 17 كلية وقسم للصيدلة ) والكليات الأهلية ( 53 كلية و قسم للصيدلة ) يبلغ 60 ألف ، وذلك يعني أن عام 2030 سيشهد وجود 110 ألف صيدلي ، وهو عدد يفوق الحاجة الحالية للمؤسسات الصحية او بعد التوسع والعدد المطلوب بموجب المؤشرات بهذا الخصوص .
والصيدلة علم وطب يتعلق بخصائص وتحضير الأدوية وتوفيرها بشكل آمن وفعال وتقديم المشورة الصحية للجمهور ، وهي عنصر مهم في المهن الطبية والصحية و لا يمكن النظر إليها على أنها ( عطارة ) الأدوية في الصيدليات او إنها صاحبة ( الخبزة ) في الكليات الأهلية ، فهذا العلم تطور منذ سنوات وتعدى المهام التقليدية الخاصة بصرف الأدوية وفقا لوصفات الأطباء والتأكد من الاستخدام الصحيح والآمن للأدوية وشرح الآثار الجانبية المحتملة ، فالمهام الحديثة تركز على الإشراف على جودة الأدوية وتطويرها وصناعتها والعمل في مجالات الصيدلة السريرية والاكلينكية والصناعية والكيمياء الصيدلانية والعلوم المختبرية السريرية والعقاقير والنباتات الطبية والسموم ، وان الواقع الحالي لعدد الصيادلة في البلاد يجب النظر إليه من زاوية تلبية متطلبات المهام الحديثة للصيدلة ، وذلك يؤشر الحاجة للصيادلة في ممارستهم لمختلف المجالات بما يتيح الإمكانية لاستثمار مواردنا الوطنية من الصيادلة بدلا من اعتبارهم فائضين ، وهناك أدلة تثبت حاجة البلاد للصيادلة ليس للتعيين في المؤسسات الصحية وإنما العمل بكل القطاعات ودليل ذلك :
. بموجب إحصاءات متداولة فان عدد الصيدليات الأهلية يبلغ 66 ألف ونقابة الصيادلة تنفي هذا العدد وتقول انه 18 ألف ، وواقع الحال يشير إلى وجود صيدليات لا تدار من قبل الصيادلة في كل الأوقات وإنما يستعاض عنهم ببدلاء ، وفي حالة إلزام الصيادلة بالتواجد الفعلي واختيار صيادلة بالشراكة او مساعدين ( في الصيدليات الكبيرة ) بدلا من غير المنتمين للنقابة فكم نحتاج من عدد مضاف ؟ ، وازدياد عدد الصيادلة ربما يحفز بعدم منح أكثر من إجازة واحدة للصيدلية و المذخر بدلا من التعليمات النافذة التي تتيح تعدد الإجازات وتلك بنيت في وقت شح عدد الصيادلة في البلاد .
. إن زيادة العدد ربما يعطي الإمكانية لمعالجة ازدواج العمل في الصيدلة بالعام والخاص ، فالصيدلي الحكومي الذي يتم تعيينه يجب أن يكرس جهده للجهة التي يعمل بها ويتم فسح المجال لغير المعيين والمتقاعدين لممارسة المهنة في الصيدليات والمذاخر الأهلية .
.لان العراق يستورد أدوية بأكثر من 3 مليارات دولار سنويا ، فمن المناسب تشجيع الصيادلة غير المعينين لفتح مشاريع متوسطة وكبيرة للتصنيع الدوائي من خلال دمج جهودهم مع كوادر الاختصاص وأصحاب الخبرات ويمكن تمويل مشاريعهم بمبادرات الدولة والبنك المركزي ، ولكون استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية يتعلق بسلع خاصة فمن المهم عدم منح إجازاته لغير الصيادلة بتأسيس مكاتب وشركات ووكالات .
. من الممكن توجيه اهتمام الصيادلة إلى اختصاص صيدلة النباتات والأعشاب الطبية وهي مهنة مقبولة و مربحة وعليها إقبال و يمكن ممارستها بالطرق العلمية للتخلص من غير العشابين المجازين .
. من المفيد تأكيد ممارسة الصيدلة السريرية في المستشفيات والمراكز الحكومية والأهلية وبما يعيد الدور العلمي للصيدلي ليكون ضمن فريق العمل الطبي فعلا وليس بالعنوان .
. من المهم احتكار ترويج وتوزيع الأدوية المنتجة محليا والمستوردة للصيادلة دون غيرهم ، فهذه المهنة رائجة في الداخل ولكنها مخترقة لغير الصيادلة فالصيدلي أفضل من غيره لممارستها كونه اختصاص .
. ولان البلد يعاني من ضعف المنتج من البحوث الدوائية التشخيصية والوقائية والعلاجية فمن الممكن توظيف واستثمار طاقات الصيادلة في هذا الاتجاه ، ويمكن ذلك من خلال إنشاء وتطوير مراكز بحثية رائدة وابتكارية يتفرغ فيها الصيادلة لتحقيق انجازات في مجال التطوير والاكتشاف الدوائي ، ويمكن رعاية مثل هذه المشاريع بالاستفادة من التمويل المحلي و الدولي .
إن الهدف من سرد تلك الأفكار ، لا يعد من أسباب الإباحة لتكون مخرجات الجامعات الحكومية والأهلية من الصيادلة على أهواها وخارج المعايير ، وإنما للاستفادة من العدد الذي يتخرج حتى عام 2030 كونهم طلبة انضموا لتلك الدراسات وحاليا في المراحل الدراسية ، ويبقى السؤال مطروح إذا كانت الجهات القطاعية المختصة من الوزارات والنقابات غير راضية عن سياسات القبول من حيث تحديد الأعداد والاختصاصات ، فمن يتحكم بموضوع الخطط والطاقات الاستيعابية وإمكانية أسواق العمل في استيعاب الطلبة المتخرجين ؟! .