المديونية وما تشكله من أخطار تهدد حاضر ومستقبل البلاد !!
كتب / د. باسل عباس خضير …
على وفق المصطلحات المحاسبية ، فان الحسابات المدينة تشير إلى قيمة ما هو عليك والحسابات الدائنة توضح ما هو إليك ، والقروض والسندات والحوالات و المبالغ غير المسددة تدخل ضمن مفهوم المديونية بذمة المدين ، واغلب العراقيين حفظوا مصطلحات المديونية منذ عقود ، فكلما جاء الحديث عنها جاء الجواب بالأرقام للدلالة عن حجم المديونية العالية وما تشكله من أخطار تهدد البلاد ، و المديونية تفاقمت خلال السنوات الأخيرة بوجود العجز الفعلي في الموازنات الاتحادية ، ففي بعض السنوات كانت الموازنات الاتحادية تعد بعجز وهمي ( تخميني ) ولكنه يتحول إلى فائض عند انتهاء السنة المالية أما لزيادة الإيرادات او لضعف الإنفاق ، والفائض موجودا بدليل إن بعض الكتل كانت تطالب بتوزيع الفائض سنويا على فئات من الشعب حسب الاستحقاق ، واليوم باتت المديونية واقع حال ويمكن التعبير عنها بالأرقام ، بمعنى أن عجز الموازنة موجود ولكن ليس بالقدر والحجم والخطورة التي يتم تداولها لمختلف الأغراض ، فالمديونية الحالية ( مقبولة ) بشرط وجود وتطبيق الإجراءات لمعالجتها بشكل فاعل و جدي .
والبنك المركزي العراقي (صاحب الشأن في الموضوع ) كشق عن حجم المديونية ( لغاية 30 حزيران 2025 ) ، وذكر إن الديون الداخلية 91.1 تريليون دينار ، و الخارجية القديمة والحديثة 54.957 مليار دولار ، والديون الداخلية تمثل القروض والسندات والحوالات وتم اقتراضها من المصارف والصناديق والأمانات وقد استخدمت لتلافي عجز الإيرادات في الموازنات ، ويفترض أن تكون قابلة للسداد بمجرد توفر الإيرادات ، وهذه الديون لا تمثل خطورة سيادية لان ضماناتها داخلية ، والديون الخارجية يمكن تجزئتها لعدة أنواع فإجمالي الديون المتفق على تسويتها 3.842 مليار ، و إجمالي الديون المعلقة 40.504 مليار وهي ليست ديون مثبتة ولم تتم المطالبة بها ولم تتم تسويتها في نادي باريس ويمكن معالجتها من خلال تنازل الدائنين عنها ، و إجمالي الديون ( بعد 2003 ) تبلغ 10.611 مليار ويمكن أن تصنف كونها ديون غير عسيرة إذ تتم خدمتها ويمكن إطفاء قيمتها بعد انتهاء آجالها ( مدتها ) .
وبلدنا بهذا الوصف والمقدار من الديون لا يعد من الدول عالية المديونية ، فالدول العشرة الأولى عالميا من حيث المديونية ( حسب تسلسلها بتريليون دولار) هي ( الولايات المتحدة 37.64 ، الصين 18.31 ، اليابان 10.23 ، المملكة المتحدة 3.7 ، فرنسا 3.6 ، ايطاليا 3.27 ، ألمانيا 2.92 ، كندا 2.3 ، الهند 2.19 ، البرازيل 1.71 ) ، وهي دول تتمتع باقتصاديات عالية وتنعم بالرفاهية والاستقرار الاقتصادي رغم حجم المديونية لأنها تضع خططها في موضوع الديون ، والعراق في تسلسل مريح من حيث ترتيب الدول العربية من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وترتيبها هو التاسع ( السودان 221.5 % ، البحرين 142.5 % ، الأردن 89.7 % ، مصر 87 % ، تونس 80.6 % ، اليمن 71.4 % ، المغرب 67.2 % ، الجزائر 54 %، العراق 53.1 % ، موريتانيا 41.2 % ) ، ويمكن أخراج العراق من هذا التسلسل عند التقييم لا على أساس مجمل الديون وإنما واقعها الذي ذكر أعلاه ، وعند النظر إلى نسبة الدين إلى الناتج المحلي حسب تسلسل الدول عالميا سنجد أيضا إننا بتسلسل مريح فتسلسل العشرة الأكثر هو ( اليابان 229% ، السودان 221 % ، سنغافورة 175 % ، اليونان 147 % ، البحرين 142 % ، ايطاليا 137 % ، جزر المالديف 132 % ، الولايات المتحدة 125 % ، فرنسا 115% ، كندا 114 % ) .
وليس الهدف من عرض ما تقدم هو تشجيع أصحاب القرار على زيادة حجم ونسب المديونية في العراق ، ولكن للتذكير إلى حجم المشكلة وما يمكن إيجاده من حلول ، والحلول هي بتوفير الأموال لتسديد الديون ونخص بالذكر الداخلية لان الخارجية مجدولة ولم تشكل تهديدا من أي نوع ، والمعالجة الداخلية يمكن أن تركز على تقليص الإنفاق ليكون بمستوى او اقل من الإيرادات للوصول للتعادل وتحقيق الفائض ، ولان موازنتنا تعتمد على إيرادات النفط التي باتت محكومة باتفاقات اوبك + وبأسعار البرميل السائدة عالميا ، فان من الضروري توفير البدائل لإزالة العجز من خلال العمل بعدة حلول ، لعل من ضمنها ( إدخال آليات تشجيعية لتحصيل الديون والمستحقات من الفوائد والرسوم والضرائب غير المستوفاة ، بيع ما يمكن بيعه من الأراضي والعقارات التي لا تشكل مصدرا للإيرادات ، اتخاذ قرارات جريئة لاستحصال الأموال المسروقة ، تنفيذ إجراءات حازمة بخصوص الشركات الخاسرة ، العمل بأنظمة عادلة في مجال الرواتب والمخصصات والحوافز والإرباح ومعالجة ازدواجية الرواتب والمنافع التي تمنح بدون استحقاق ) ، وهناك العشرات او المئات من الحلول التي يمكن ولوجها بهذه الخصوص ، فدولتنا غنية بأهلها ومواردها وأملاكها ومن المفترض أن تحقق عوائد مجزية ، والمديونية مؤشر لإفقارها كدالة او محصلة للفساد وضعف الإدارة والأداء .