العاشرَ منْ كانونِ الأولِ تأريخ لا يشبهَ غيرهُ
كتب / محمد خضير الانباري
في ليلٍ حالك، اقتحمَ مدينتنا، جمعُ منْ الوحوشِ الذينَ تستروا بعباءةِ الدين، ليبثوا النارَ والخرابَ في المدينةِ وأهلها في ليلةٍ سوداءَ قاموا بتقييدِ بناتِ الحيِ بالسلاسل، وكأنَ الزمنَ عادَ ألفُ عامٍ إلى الوراء، ليخدعوا بعضَ الشيوخِ والشبابِ بشعاراتِ يدعونَ أنها منْ تعاليمِ الإسلام، والإسلامُ منهمْ بريء. بعدٌ تسلطوا على أهالينا في بعض مدننا لبضع سنواتٍ ، وخلالها أذاقوهمْ صنوفَ العذابِ والجوعِ والقتل. واضطرَ البعضُ إلى مهادنتهم، إما خوفا على أسرهم، أوْ بدافعِ الحقدِ على الذين قبلهم . هنا نهض أبناءُ ( الملحَة) متوكّلين على الله أولًا وقبل كل شيء، مستمدّين العزممن رسول الله صلى الله عليه واله، وأهل بيته وأصحابهالأطهار في تضحياتهم، وشجاعتهم من الحمزة بن عبدالمطلب (ع) الى سيّد الشهداء الحسين (ع) ، ليطهّروامدن العراق من رجس الشياطين. وليتقدّموا بصولةٍجهاديةٍ واحدة، بقلوبٍ وأيادٍ متماسكة، وبإسنادٍ منالمرجعية الدينية بفتواها العظيمة، ودعمٍ من فقهاءوعلماء العراق الغيارى في مساجدهم.
لقد توحّد الجميع تحت راية “الله أكبر“، وانقضّواعلى تلك العصابات المجرمة حتى تحوّلت ـ لعنها اللهإلى جيف تملأ الأزقّة والشوارع في المدن المحرَّرة. وهكذا عاد السلام إلى بلد السلام، إلى مدينة أمالربيعين وشقيقاتها الأخر، فها هو المسلم يعود منجديد، ليفتح ذراعيه ليحتضن أخاه المسلم،والمسيحي، والصابئي، والأيزيدي، والشبكي، وكلفسيفساء الوطن، ليشكّلوا، لوحة هذا الوطن البهيّ. لقد عاد أبناء العراق—على اختلاف أديانهم وأطيافهم—يستظلون بظلّ وطن واحد، ويتقاسمون الهمّ والأملوالحلم ذاته.
في العاشرِ من كانونِ الأوّلِ من كلِّ عامٍ، لا يمرُّ اليومُمرورًا عابرًا، فذكراهُ سامقةٌ وعميقة. نقفُ فيهِ وقفةَ وفاءٍوإجلالٍ، صغارًا وكبارًا، نستحضرُ التضحياتِ الجليلة،ونُحيي في الذاكرةِ دماءً طاهرةً لولاها ما أشرقتْ أنوارُمدنِنا وشوارعِنا وأزقّتِنا، ولا ارتسمتِ البسمةُ على وجوهِأطفالِنا، ولا عادَ الإعمارُ إلى أمِّ الربيعين وأخواتها. إنّهُيومٌ للرحمةِ والامتنان، ولتجديدِ العهدِ بأن تبقى تلكَالتضحياتُ حيةً نابضةً في الوجدانِ والذاكرة.
لوْ استلهمنا منْ العاشرِ منْ كانونِ الأول، بعضُ القيمِ والمبادئِ وروحِ التضحيةِ التي تجلتْ في ميادينِ القتالِ منْ أجلِ تطهيرِ مدننا، على يدِ شبابنا وشيوخنا، لواصلنا طريقِ الوحدةِ الوطنيةِ ولتجنبنا كلُ أشكالِ الانقسامِ والتشرذمِ القوميِ والطائفي، فالدماء، التي رويتْ بها الأرضُ كانتْ كلها حمراء؛ لا يختلفُ فيها دمُ العربيِ عنْ الكردي، ولا الشيعيِ عنْ السني، ولا التركمانيِ عنْ الشبكي. كلها دماءٌ طاهرةٌ زكية.
ونقول آخراً، قول سبحانه وتعالى: (ولا تحسبنَ الذينَ قتلوا في سبيلِ اللهِ أمواتا، بلْ أحياء عندَ ربهمْ يرزقون) صدقَ اللهُ العظيم.