الإعلام بين مطرقة الحقيقة وسندان التزييف
كتب / زهراء محمد
تخيل أنك تفتح شاشتك مساءً لتبحث عن خبر يخص ارتفاع سعر صرف الدولار أو أزمة الخدمات في منطقتك. تجد قناة فضائية تلوم جهة سياسية بأشد العبارات، وفي اللحظة ذاتها، تجد قناة أخرى تدافع عن نفس الجهة وتتهم الأولى بالتضليل! هذا التناقض الصارخ، الذي أصبح مشهداً يومياً، ليس مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل هو فخ محكم يفقد المواطن العراقي القدرة على تمييز الحقيقة.
لطالما كان الإعلام هو العمود الفقري الذي يُفترض أن تُبنى عليه المجتمعات الواعية، لكن في العراق اليوم نحن نعيش تحت وطأة “طوفان إعلامي” لم يعد يفرق بين الحقيقة والتزييف. لقد تحول المشهد إلى فوضى عارمة، حيث أصبحت القنوات والمنصات الرقمية تجارة مربحة مبنية على الولاءات أكثر من كونها منابر للحقيقة.
المشكلة الجوهرية أن هذا الإعلام مُموّل من الداخل أو الخارج، وغايته هي تشتيت وعي الجمهور وتعميق الانقسام. هذا التحول جعل الإعلامي ليس باحثاً عن الحقيقة، بل مجرد مُوظف يخدم مصالح من يُموّل أكثر. في “كواليس” هذا المشهد، تعقد الصفقات لافتعال المشاجرات والمشاحنات لـ “جلب المشاهدات” فحسب، متناسين الجوهر الحقيقي لوظيفة الإعلام.
إننا نشهد نتيجة مباشرة لهذه الفوضى: تخدير وعي الجمهور. فبدلاً من أن ننخرط في قضايا مصيرية، يُغرقنا هذا الإعلام المُموّل في جدالات تخرجنا عن مسيرتنا نحو الرُقي. هذا التشتيت يُبقينا غارقين في التفاصيل الصغيرة بينما يحقق الإعلام المأجور مبتغاه. والأخطر هو أن هذه الفوضى تحقق أهدافها في قتل صوت الحقيقة، ولكن مجتمعنا في درجة عالية من الوعي يستطيع أن يميز بين من يُجَعْجِعُ في صفيحة صدئة، وبين من يدق مسماراً لبناء البلد.
في الختام، يجب أن ندرك أن الفوضى الإعلامية ليست قضاءً وقدراً، بل هي ثمن صمتنا وتكاسلنا. حين يتحول الإعلام من سلطة رابعة إلى مجرد أداة لخدمة مصالح ضيقة، فإننا نخسر بوصلة الحقيقة. إن مسؤولية التغيير تبدأ من الجمهور أولاً: عبر مقاطعة القنوات المُضللة ودعم الأصوات الإعلامية الصادقة والمهنية. فإما أن ندعم اليوم إعلاماً مستقلاً ينقل الحقيقة، أو ندفع غداً ثمناً باهظاً يتمثل في تغييب وعي أجيال بأكملها.