تسمية الشوارع أم صناعة الأيقونات؟
كتب / كاظم الطائي
في المجتمعات الحديثة، الأيقونات ليست مجرد رموز عابرة، بل قيم متجذرة في الوعي الجمعي. إنها نتاج تراكم التاريخ والمواقف والتضحيات، وليس مجرد اسم يُعلَّق على لافتة شارع أو ساحة عامة. ومع ذلك، نجد أن بعض القرارات الحكومية، مثل تسمية الشوارع بأسماء شخصيات معينة، تحاول فرض أيقونات مصطنعة لم تُحددها المجتمعات ولم تمر بمسار الاعتراف الجماعي.
الأيقونة الحقيقية مقابل المصطنعة
الأيقونة الحقيقية تنمو في الوعي الجمعي من خلال الفعل القيمي والموقف والتضحية، وهي تحرّض على النقد والمساءلة. في المقابل، الأيقونة المصطنعة تُفرض من الأعلى، غالبًا عبر قرار إداري أو حملة إعلامية، وتُستخدم لتوجيه الرأي العام أو لإضفاء شرعية رمزية على السلطة، لكنها تفتقر إلى العمق الأخلاقي والاجتماعي.
من يستحق لقب الأيقونة؟
تسمية شارع باسم شخصية لم يختارها المجتمع كرمز، ولا تعكس إجماعًا شعبيًا، لا تنتج أي أيقونة حقيقية. إنها مجرد رمزية رسمية مفروضة. هنا تظهر الفجوة بين الرموز المفروضة والرموز القيمية التي يعيشها المجتمع في وعيه، مثل:
مظلومية الإمام الحسين عليه السلام، التي تُعتبر أيقونة للعدل والرفض للظلم، ومرجعًا أخلاقيًا مفتوحًا للاعتراض والمساءلة الدائمة للسلطة. تمثل كربلاء مثالًا حيًا على التضحية القيمية التي تتجاوز الزمان والمكان، وتحفظ مكانتها في ضمير الأجيال.
انتظار الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، أفق أخلاقي ونقدي مستمر للسلطات القائمة، أيقونة ديناميكية لا يمكن اختزالها بقرار أو تسمية، فهي ترمز إلى العدالة المطلقة التي لم تتحقق بعد، وتشكل معيارًا أخلاقيًا لمساءلة السلطة.
سيد العشق: أيقونة لم تُفرض
في التاريخ المعاصر، يبرز سيد العشق كأيقونة حقيقية، رغم كونه غير عراقي. لم يُفرض اسمه على الشوارع أو الساحات، ولم يُروّج له بقرار رسمي. بل اكتسب رمزيته بالفعل والتضحية، من خلال السير على نهج مظلومية الحسين عليه السلام، وتقديم أعز ما يملك في مواجهة مصيرية، ليصبح رمزًا عالميًا للتضحية والفداء، بعيدًا عن السياسة والإعلام.
المرجعية الزاهدة: أيقونة امتداد فكري
تمثل المرجعية الدينية الزاهدة نموذجًا آخر للأيقونة الحقيقية، إذ فرضت نفسها امتدادًا فكريًا وأخلاقيًا في المجتمع، دون الحاجة إلى قرار إداري أو تسليط إعلامي. شرعيتها الرمزية نابعة من الاستقلال، والموقف الأخلاقي، والتجربة المجتمعية، وليس من قوة السلطة أو المنصب الرسمي، ما يجعلها مرجعية لا يمكن تدجينها أو اختزالها في رمزية رسمية.
تسمية الشوارع وأثرها
حين تُسمّى الشوارع باسم شخصيات لا تحظى باعتراف المجتمع كرموز، تتحول العملية إلى أداة للتحكم الرمزي، لا تخليد للقيم. الشخص المُسمّى يصبح محصنًا من النقد، بينما يضطر المجتمع إلى التراجع عن مساءلته، فتُفرغ الرمزية من معناها الأخلاقي، ويصبح المجتمع أكثر صمتًا وانصياعًا.
الخلاصة
الأيقونات الحقيقية تُبنى بالقيم والمواقف والتضحيات، ولا يمكن فرضها بقرارات رسمية أو لافتات شوارع. الدولة التي تحاول صناعة أيقوناتها تفرض الرمزية، لكنها لا تخلق الإلهام. أما المجتمع، فهو وحده الذي يميّز بين الرموز الحقيقية مثل مظلومية الإمام الحسين عليه السلام، و عدالة الإمام المهدي المنتظر، سيد العشق، والمرجعية الزاهدة،
بعكس الرموز المصطنعة التي لا تترك أثرًا سوى الصمت والامتثال.
بالتالي-
الدول القوية لا تصنع أيقوناتها… بل تعترف بالأيقونات التي اختارها المجتمع.