ساكو و “عثرة” التطبيع
ونحن نعيش في ايام اعياد المسيح واحتفالات رأس السنة الميلادية التي نستذكر خلالها اصدقاء الطفولة وجيران العمر وملح الارض، اخوتنا من المكون المسيحي الذين عشنا معهم سنوات لا يمكن تجاهلها بحلوها ومرها، بحروبها وحصارها، كنا نتقاسم الهموم والافراح معاً ونتبادل الزيارات وأرغفة الخبز، حتى جاءت سنوات الإرهاب التي اخذت منهم الكثير، بين قتيل ومهاجر يبحث عن الامان، ولم يتبق منهم سوى اعداد لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة في كل زقاق بعد ان كانت منطقتنا تزدحم بطيبهم وحلاوة معشرهم..
تلك الساعات من استذكار احبتنا، أفسدها البطريرك “لويس ساكو” حينما خرج علينا ملوحا بيده بدعوة للحكومة المقبلة عنوانها “التطبيع” لان بلادنا “تضم بابل التي كتب فيها التلمود والعالم جميعه يجب ان يأتي للعراق”، تلك المفردة كانت كافية لكشف الرسالة التي اراد تمريرها “ساكو”، وهي التطبيع مع الكيان الغاصب، لان تلك المفردة لا يمكن استخدامها في غير سياق العلاقة مع العدو الإسرائيلي ولو فتشنا في جميع استخداماتها في اللغة العربية سنجد بانها لا تذكر إلا بهذه المكانة، التي اضاف بها علامة اخرى لسجله المتخم بالمواقف “المريبة” ومنها مساندته للمثلين وأفعالهم، وتمرده على الدولة باكثر من مناسبة ولعل ابرزها حينما سحب رئيس الجمهورية مرسوم تعيينه بطريركا على الكلدان، ليتحول بين ليلة وضحاها لعدو يهاجم النظام السياسي ويتخذ من اربيل مقراً لإطلاق هجماته بمساندة من مسعود البارزاني التي وجدها فرصة للتحكم بشخصية تميل مع مصالحها الخاصة.
وبالعودة لدعوة التطبيع، التي حاولت بطريركية الكلدان رد “شبهتها” عن ساكو حينما اصدرت بيانا “ركيكاً” لتوضيح غايته من استخدام تلك المفردة والهدف منها، لتبلغنا بان “حديث البطريرك “ساكو” اخرج عن سياقه”، والسب لانه “لم يدعُ إلى التطبيع مع أي دولة، بل شدد على جعل التطبيع مع العراق، بوصفه أرض الأنبياء والحضارات، وأن النبي إبراهيم عراقي، وأن العراق بلد الديانات السماوية”، ليكون البيان مثيرا للشكوك اكثر من كلمة “ساكو” ذاتها، لانه لم يذكر موقف الكنيسة من الكيان الغاصب وجرائمه بقتل الأطفال والناس واحتلال الارض، وأصر على استخدام المفردة ذاتها “التطبيع” التي لا يمكن تفسيرها بغير محلها من اقامة العلاقات مع الكيان حتى لو أخذنا تصريحات “ساكو” بحسن نية، إضافة إلى تجاهله السبب الذي دعا البطريرك لذكر التلمود، الذي يعد النص المركزي لليهود الحاخامية، والمرجع الديني الذي يبرر من خلاله الصهاينة تشريع جرائمهم وتشريد الناس من أراضيهم.
بالمقابل… لا يمكن تعميم تصرفات “ساكو” ودعواته على المسيحيين في ارض الرافدين، فالجميع يشهد بمواقفهم الرافضة للكيان وجرائمه وتمسكهم بوطنهم ودفاعهم في الحفاظ على وحدته والابتعاد عن الأصوات التي تحاول جرهم للمواجهة مع بقية المكونات، لانهم يجدون بالإسرائيلي العدو المشترك الذي استباح المساجد والكنائس ولم يفرق بين مسلم ومسيحي، ومن اجل تفويت الفرصة على “ساكو” ومنعه من التكسب بحجة “الاضطهاد”، علينا جميع عزل مواقفه عن اهلنا المسيحيين ومنع الجهات التي تحاول الإساءة لهم بالذنب الذي اقترفه صاحب دعوة التطبيع.
الخلاصة:. ان تصريحات “ساكو” يجب ان يتم التعامل معها وفقا لقانون تجريم التطبيع لمنع تكرارها، وبتذكير العباد بوجود قانون يردع الداعين للتواصل مع مغتصبي الارض والقتلة، واذا كانت تصريحاته قيلت عن “جهل” فهو لا يستحق منصبه الذي يمثل رسالة سلام، لان مافعله خيانة لا تغتفر، اخيراً… أعياد ميلاد مباركة لشدة الورد في باقة مكونات المجتمع الذي يعارض التطبيع مادام فيه عرق ينبض بحب الارض ورفض المحتلين والطغاة.