حين تُذبح الهوية…!
كتب / علي جاسب الموسوي
ما يجري بحق العلويين في سوريا ليس نزاعا عابرا ولا تصفية حسابات حرب، بل نموذج فج للإبادة والتطهير الطائفي حين تتحول العصابة إلى قاض.. والسلاح إلى عقيدة .. ويُستبدل ميزان الحق ببيعة الدم.
عصابات الجولاني لا تقتل الأجساد فحسب، بل تسعى إلى قتل الانتماء، إلى اقتلاع الإنسان من جذوره، وإجباره على التبرؤ من هويته كي يُمنح حق التنفس .. وهنا تكمن الجريمة الأعظم: أن يُحاكم الإنسان على اسمه، وصلاته، وأصله، لا على فعله.
وفي قلب هذا الظلام، يسطع مشهد الصبي بائع الخبز. طفل أعزل، لا يحمل سوى لقمة يومه، يُهان ويُضرب، ويُطلب منه أن يتبرأ من العلويين .. كان يمكن للخوف أن يُسقطه، لكنه قال كلمته التي فضحت جلاديه:
(على الأقل أنا أُصلي)
جملة قصيرة، لكنها أطول من كل خطبهم، وأصدق من كل شعاراتهم، وأقسى على نفاقهم من السيوف.. واقوى من دعم الماسونية لدينهم.
ذلك الطفل لم يكن يدافع عن طائفة، بل عن معنى الإيمان، عن الصلاة بوصفها أخلاقا لا عصا، وعبادة لا مسلخا .. لقد كشف، بعفويته، أن من يضرب طفلا باسم الدين لا يعرف من الدين إلا اسمه، ولا من الصلاة إلا حركاتها.
إن التطهير الطائفي حين يُلبس عباءة (الجهاد) لا يُنتج دولة ولا عدلًا، بل يُعيد المنطقة إلى جاهليةٍ جديدة، عنوانها: اقتُل لتنجو، وتبرّأ لتعيش .. وهذا منطق العصابات، لا منطق الأوطان ولا الرسالات .. والتاريخ حدثنا عن هذا بكثير كثيرا من الاحداث .
سوريا اليوم لا تحتاج مزيدا من السكاكين، بل إلى صوتٍ يقول بوضوح:
إن العلوي، والسني المعتدل، والمسيحي، والشيعي .. وكل مظلوم… إنسان قبل أن يكون عنوانا.
وأن من يذبح الناس على الهوية، سيسقط يوما بالهوية ذاتها التي استباحها.