وماذا عن المحتوى الفارغ؟!
كتب / كوثر العزاوي ||
الكلام عن المحتوى الفارغ، وقبل ذلك لابد من الإشارة إلى أنّ ليس كل محتوى فارغ هو هابط، وأنما كل محتوى هابط بلاشك هو فارغ، فبعد انتشار ظاهرة المحتوى الهابط وتداعياته، وعملية الحدّ من انتشاره والتصدي لأصحابه وصُنّاعهِ آملين أن تختفي هذه الظاهرة الضالّة المضِلّة، وبقيَ أن نعرف ثمة مرادفٍ للمحتوى الهابط يسمى المحتوى الفارغ كما بيّنا، والفرق بينهما أن الكثير من المحتويات الفارغة التي تمرّ أمامنا، إنما هي غالبًا من صناعة أبناءٍ وبنات وحتى أمهاتٍ وآباء من الذوات والعوائل المحترمة خلاف أصحاب العناوين الهابطة ولانسبة بينهما.
والحق أقول، واثناء تصفّحي مواقع التواصل الاجتماعي بعالَمِها الإفتراضي، غالبًا مايثير استغرابي ذلك العددالهائل من المعجبين وعدد المعلّقين برموز الإنبهار وعبارات الثناء والمجاملة لمنشوراتٍ
متنوعة لامذاق لها البتة!، سأذكر منها نماذجَ معدودةٍ تتضمن الآتي وأعرِض عن الكثير: مثال، مقطع مصوَّر لقِطّة تلاعب صاحبتها بحركات لاشك أنها مدرّبة عليها!! منشور آخر لأحدهم كتب نصًّا قصيرا: “والله انا مخنوگ شنو هالضوجة” ومثال ثالث:، مقطع مصوَّر لطبق دولمة كبير مُرفَق مع نَصٍّ مكتوب: “تفضلوا الف عافية”!! وغير ذلك كثير من النشر مما يتعارض مع المنطق والواقعية فضلًا عن سماجتها في أكثرِ جوانبها، حتى آلَ الأمر الى طغيانها على أصالة الشهرة المحمودة التي من المفترض أن تنفع الناس في دينهم ودنياهم!! في مرحلة تشكّل منعطَفًا على مستوى المفاهيم وضياع الكثير من القيم.
لذلك لم نستغرب عندما نجد تراجع مفهوم الشهرة لجواهر المعرفة والأدب والدين والفوائد والمنجزات العلمية والإنسانيّة ومايثري العقل ويرفع منسوب الوعي، ليحلّ النقيض من أكوامٍ مستهلَكة، من أدبيات دخيلة وكلمات لاروح فيها، وحركاتٍ من هوامش الحياة، أذ تعكس وجهَ الرداءة وعدم اللياقة، وربما تتعمد تأمّلها ولكن سرعان ما يتّضح كونها مضمون بلا مدلول ومظهر بلا جوهر كما لاتحمل في ثناياها أدنى طائلٍ ولاجدوى، مثلما حصد صحن “الدولمة” آلاف المعجبين دون الحصول على لقمة منها!! تالله! إنها لمسخرة وعين اللغو في زمنِ فقدانِ البصيرة وغياب الوعي، كما أنه يكشِف الستر عن مدى الفراغ الفكري الحاصل عند شريحة كبيرة من المجتمع ولأسباب متعددة، ولعل أبرزها هجر الكتاب والقراءة الواعية وعدم متابعة أرباب المعرفة والأدب واستقصاء صفحاتهم ومحتوياتهم، والانكفاء على زبد المشهور والاكتفاء بمواكبة وسائل التواصل الإجتماعي المترامي الاطراف بغثهِ وسمينهِ دون تمييز.!
ومن هنا نفهم علة التسابق لصنّاع المحتوى على أرقام المتابعين المقدّرة بمئات الآلاف، وربما الملايين، لأنّ المشكلة الحقيقية ليست في شهرة الأشخاص بل المشكل الأكبر فيمن يتابع هؤلاء بمنح الاصوات لتساعدهم في نمو شهرتهم الفارغة لينتهي بهم الأمر إلى تصديق كِذْبتِهِم بأنهم أصبحوا مشاهير!!
وهاهو أمير الكلام وسيد البلغاء “عليه السلام” ينبِّهنا من مصير الشقاء نتيجة الغفلة عن نعمة الوقت الذي هو قطعة من العمر ويُخاطبنا بقوله:
{فَيَالَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَة، أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً، وَأَنْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى الشِّقْوَةِ!} نهج البلاغة الخطبة٦٤