بعثرة الأرقام في وسائل الإعلام..!
كتب / محمد شريف أبو ميسم ||
واحدة من أهم الظواهر التي يتسم بها الإعلام العربي والعراقي بشكلٍ خاص، هي ظاهرة التقاطع وعدم الدقة وأحيانا المغالاة في عرض الحقائق والبيانات على ألسنة الضيوف في البرامج الحوارية وفي التقارير الخبرية القصيرة.
وكثيرا ما تسهم هذه الظاهرة في ارباك الجمهور بقصد أو دون قصد، وفي أحيان أخرى تدخل المتلقي في متاهات وهو بصدد البحث عن المعلومة الدقيقة.
ولسنا هنا بصدد الحديث عن أساليب التدوير ولي أناق الجمل والتدليس في الخطاب الإعلامي، التي تستخدم لتحقيق غايات سياسية، اذ عادة ما يتصدى لها المستهدفون بها عبر حق الرد أو حق اللجوء إلى القضاء، فيما يتكفل الرأي العام في كثير من الأحيان بعدم قبولها، جراء تكرار توظيفها في غير محلها وعدم انتظامها في سياق الأحداث بمرور الوقت، أو ربما تكرار نمط مثيلاتها في السياقات الخبرية، بما يعطي فكرة واضحة للمتلقي بشأن الاستهداف، الأمر الذي أفقد الجهات الإعلامية التي تتولى هذا النوع من الخطاب مصداقيتها، وساهم في زيادة حصانة المتلقي ضد ما كان يعتبره مصدراً للحقيقة.
وهذا ما حصل في بلادنا على مدار السنوات العشرين الماضية، وأنتج لنا رأيا عاما قادرا ولو بشكل نسبي على التمييز بين الغث والسمين في الخطاب الإعلامي.
بيد أن الاشكالية التي نحن بصددها في خضم انشغالات الرأي العام بحركة السوق والحاجة للخدمات، تتعلق بعرض البيانات والأرقام ذات الصلة بالشأن الاقتصادي والخدمي، وهنا تقع مسؤولية البحث عن الحقيقة التي تخص الجمهور والباحثين على الجهة التي تتولى استضافة من يعرض هذه البيانات على لسانه بوصفه مختصاً، من خلال انتقاء محاورين مختصين لهم القدرة على محاججة الضيف والدراية الكاملة بالشأن الذي هم بصدده.
اذ تقتضي الأمانة الصحفية والإعلامية عنصر الاحاطة والالمام، وحق الجمهور والباحثين في تلقي المعلومة والأرقام تحديدا بدقة متناهية، ومن واجب الجهة الإعلامية أن تطلب البيانات والأرقام من الجهات القطاعية، لتصحيح ما يرد على ألسنة الضيوف، وعدم السكوت على التهويل أو التقليل الذي يعتمده البعض لغايات شخصية أو سياسية، أو جراء انعدام المعرفة، وفي كل الأحوال تتحمل الجهة الإعلامية مسؤولية السكوت على عرض الأرقام من قبل الضيوف ما لم تحاجج الضيف، أو تأتي برأي آخر متخصص بذلك الشأن.
والأخطر في هذا الأمر هو اعتماد بعض الباحثين على وسائل الإعلام بوصفها مصادر بحثية، اذ غالبا ما يعتمد بعض طلبة الدراسات الأولية على وسائل الإعلام بوصفها مصادر للبحث وخصوصا تلك الواسعة الانتشار التي تعتمدها الوكالات والمحطات الأخرى في تكرار نشر المعلومات.