لماذا يتسلّل قائد الجُيوش الأمريكيّة مِثل اللّص لتفقّد قوّاته في شِمال سورية ؟
كتب / عبد الباري عطوان
أن يتسلّل الجِنرال مارك ميلي رئيس هيئة أركان الجُيوش الأمريكيّة مِثل اللّص إلى ما يُسمّى بمناطق الحُكم الذّاتي الكُرديّة شِمال شرق سورية، فهذا انتهاكٌ صارخٌ لسيادة دولة عُضو في الأُمم المتحدة، وفي وقتٍ تخوض فيه الولايات المتحدة حربًا عالميّةً بالإنابة في أوكرانيا ضدّ روسيا تحت ذريعة التدخّل في الشّؤون الداخليّة لأوكرانيا وانتهاكِ سِيادتها الوطنيّة، وتُحاضر علينا في الوقتِ نفسه عن الفضيلة واحتِرام حُقوق الإنسان وسِيادة الدّول.
العُنوان “التّمويهي” لزيارة الجِنرال ميلي هذه، أيّ تفقّد قواعد بلاده التي تضم 900 جندي ومعدّاتهم الثّقيلة، وبحث إجراءات الحماية لسلامتها، ومنع عودة تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) مجددًا، كلّها أكاذيب مُضلّلة والسّبب الحقيقي مُغاير لذلك كُلّيًّا، ويتلخّص في وضع هذه القوّات في حالةِ تأهّبٍ للمُشاركة في أيّ عُدوان إسرائيلي أمريكي وشيك على إيران بذريعة تخصيبها كميّات كبيرة من اليورانيوم تقترب من نسبة الـ 90 بالمئة اللّازمة لإنتاج قنابل نوويّة، وتعزيز الإجراءات الدفاعيّة الأمريكيّة لأنّ احتِمالات تعرّضها لأعمالٍ انتقاميّةٍ إيرانيّةٍ كبيرةٍ جدًّا أُسوَةً بالقواعد الأمريكيّة في العِراق ودول الخليج ودولة الاحتِلال الإسرائيلي التي يتردّد أنه جرى وضعها في حالةِ تأهّبٍ قُصوى.
***
ما يُرجّح احتِمال مُشاركة هذه القوّات الأمريكيّة في سورية وقواعد عسكريّة في الخليج، أو استهدافها في أيّ حربٍ قادمة مع إيران أمران:
الأوّل: تكثيف القوّات الأمريكيّة هذه لسرقة النفط السوري وآباره في شرق مدينة دير الزور في الأيّام القليلة الماضية، ورصد أكثر من 150 صهريجًا مُحمّلة بالنفط السوري، ونقلها إلى قواعدها العسكريّة في العِراق عبر معبريّ المحمودي والوليد غير الشّرعيّين على الحُدود السّوريّة العِراقيّة.
الثاني: انتقال الجِنرال ميلي إلى دولة الاحتِلال الإسرائيلي مُباشرةً بعد ختام زيارته القصيرة لقوّاته في سورية، وقبل وصول رئيسه لويد أوستن وزير الدّفاع الأمريكي الذي سيختم بها (تل أبيب) جولته الثلاثيّة المُفاجئة التي بدأت اليوم الأحد بزيارة العاصمة الأردنيّة لتفقّد قواعده العسكريّة الـ 16، وربّما التّنسيق مع القيادة الأردنيّة، بشقّيها السّياسي والعسكري حول الضّربة المُقبلة لإيران، ويطير بعدها الجِنرال أوستن إلى القاهرة للشّيء نفسه، ويختم جولته الأربعاء بتل أبيب ليقدم لها تَصَوّرًا دقيقًا عن نتائج مُباحثاته في القاهرة وعمّان، والخطّة التي قد تكون موضع الدّراسة والبحث.
هذه الجولات المُفاجئة، أو بالأحرى غير المُعلنة مُسبقًا، من قبل أكبر قائدين عسكريين أمريكيين لمنطقة الشّرق الأوسط، وللدّول المُحاذية لدولة الاحتِلال الإسرائيلي التي ترتبط بعلاقات “تحالفيّة” وثيقة جدًّا مع الولايات المتحدة على الصّعد كافّة (مِصر الأردن، إسرائيل)، وشاركت في مُعظم حُروبها في العِراق، وسورية وليبيا، بصُورةٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة، لا يُمكن أن تكون بريئة، وسعيًا للاستِجمام تمتّعًا بجوّ المِنطقة الشّتائي الدّافئ، ولا بُدّ أن هُناك خطّة هُجوميّة يجري طبخها وإعدادها وتوزيع أدوارها، واقتربت من النّضج ومرحلة التّطبيق العملي الميداني حاليًّا.
يَصعُب علينا، إو غيرنا، أن نعرف ما هي الرّسالة التي حملها رافائيل غروسي رئيس وكالة الطّاقة الذريّة الدوليّة إلى القِيادة الإيرانيّة، أثناء وزيارته الخاطفة لطِهران يوم الجمعة (استغرقت 24 ساعة فقط)، ولكن من المُؤكّد أنها حملت تهديدًا نهائيًّا من اقتِراب هُجوم أمريكي إسرائيلي لضرب المُنشآت النوويّة الإيرانيّة، وما يُرجّح هذه الحقيقة نفي الجانب الإيراني التوصّل إلى اتّفاقٍ لإعادة تشغيل الكاميرات وأنظمة المُراقبة مثلما أعلن غروسي في مُؤتمره الصّحافي، وخلوّ البيان المُشترك الذي صدر في خِتامِ الزّيارة، واللّقاء مع السيّد إبراهيم رئيسي.
***
أمريكا تنتهك السّيادة السوريّة، وتحمي انفِصالين أكراد في شِمالها الشّرقي، وتَسرِق النّفط، وتدعم الإرهابيين، وتتباكى على انتهاكِ روسيا للسّيادة الأوكرانيّة لحماية مُواطنيها الروس، وتعريض العالم لحربٍ نوويّةٍ مُدمّرةٍ بالتّالي، هل هُناك نفاقٌ وازدواجيّةٌ، ونزعاتٌ تدميريّةٌ، أكثر من هذا؟
إنّها قمّة التخبّط والاستِهتار بالقانون الدولي وأمن العالم واستِقراره، ومِن المُؤلم أن بعض الحُكومات العربيّة تنخرط في هذا المُخَطّط العُدواني الأمريكي مفتوحة العينين، مُعَرّضةً بلادها وشُعوبها لدمارٍ شاملٍ في حرب ليس لها فيها ناقة أو جمل أو معزة.
أمريكا انهزمت في أفغانستان، وانسحبت قوّاتها منها مهزومةً بشَكلٍ مُذل، وقبلها من العِراق، وأيّ عُدوانٍ تشنّه على إيران، بتحريضٍ إسرائيليٍّ سيَكونُ باهِظَ الثّمن والتّكلفة، رغم الفارق الكبير في موازين القِوى، فإيران ليست العِراق ولا أفغانستان، إيران تملك مُسيّرات مُتقدّمة، وصواريخ باليستيّة دقيقة أسرع من الصّوت، تقع جميع القواعد العسكريّة الأمريكيّة ودولة الاحتِلال برمّتها في مرمى نيرانها، وفوق ذلك يورانيوم مُخصّب بنسبٍ تُؤهّلها لصُنعِ رؤوسٍ نوويّةٍ في غُضونِ أيّام، مثلما قال وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن، إن لم تكن قد صنعتها فِعلًا.. والأيّام بيننا.