هل يحل السوداني عقدة المدراء العامين ؟!
كتب / د. باسل عباس خضير ..
المدير العام ، حلقة مهمة في هرم السلطة التنفيذية بمعظم البلدان وغالبا ما تعطي قيادات الدول اهتماما بالغا لفئة المدراء العامين إذ يجري تعيينهم وإعفائهم ببرامج وأنظمة وسياقات تعتمد على معايير ، وفي بلدنا استعصى هذا الموضوع وتحول لعقدة وأمنية لم تحل منذ سنوات ، فالحالة الاعتيادية أن يتم اختيار الشخص المناسب ليشغل موقع المدير العام استنادا للكفاءة والنزاهة والخبرة والقدرة على اتخاذ القرارات وتحقيق الفاعلية التي تتطلبها الدرجة التي يشغلها وحسب المكان الذي يعمل فيه ، ورغم إن العديد من المواقع القيادية قد تم تحديد مواصفاتها العامة او الأساسية بموجب القوانين التي تخص الوزارات والهيئات المستقلة ورغم إن التعيين بدرجة مدير عام ليست مسألة معقدة كونها ضمن صلاحية مجلس الوزراء ، إلا إن اغلب المناصب الموجودة تشغل حاليا أما استثناءا خارج المواصفات او بالوكالة او بتسيير الأعمال او بالتكليف او إن بعضهم انتهت مدتهم المقررة ( بعد المديد ) ولكن شاغليها لم يعفون ليحل محلهم من يستحقون ، وهناك الكثير من الآراء التي ترجع أسباب القصور والتقصير والفساد الذي تشهده بعض المنظمات ( او الدوائر ) لضعف حلقة المدراء العامين ، ففي بعض الحالات يجدون عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب او وجود ( ديناصورات ) مضى وجودها في المنصب عقد او عقدين دون تغيير ، وبسبب انتشار المحاصصة والمحاباة والرغبة في عدم زعل الآخرين فان هناك مناصب بحاجة للتغيير بشكل واضح للعيان ويمكن تشخيصه بكل يسر ، والتثبيت والتغيير في درجة المدير العام باعتباره تكليف وليس تشريف فيه نوع كبير من العدالة فالاستعانة بمن يستحق إشغال الموقع هو إنصاف للموظفين والجمهور وللوظيفة العامة ، فليس من العدل أن يبقى موظف بهذه الدرجة على سبيل الوكالة او التكليف ويتم تغييره رغم أداءه المقبول كما انه ليس من الإنصاف أن يبقى أحدا بهذه الدرجة لسنوات بالوكالة رغم انه يستحق التثبيت والتحول للأصالة عن استحقاق ، كما انه ليس من الأصول أن يتم إسناد منصب المدير العام لشخص لا تتوفر لديه شروط الحد الأدنى ويأخذ حقوق المستحقين ، وينطبق الحال نفسه عند فشل احدهم في مكان ما وتتم مداورته لمكان آخر لمسوغ غير معقول ليفعل أتعس ما كان معروف عنه .
ولم تغيب قضية التثبيت بالمناصب عن بال الحكومات التي تولت إدارة البلاد كونها مسالة بديهية لان ضمانة نجاح رئيس الوزراء والوزراء هو بوجود مدراء عامين من الذين لديهم القدرات وإمكانيات على تنفيذ ما هو مطلوب بقيمة عليا لخدمة الوطن والشعب ولتنفيذ واجباتهم المنصوص عليها في قوانين او لوائح المؤسسات التي يعملون بها ليتركوا أثرا طيبا تذكرهم الناس بخير ، ورغم ذلك فقد بقيت الكثير من المناصب تدار بالوكالات ولم تخضع للتبديل او التثبيت تحت مختلف الأعذار والأسباب ، وفي 2019 ورد نصا في قانون الموازنة الاتحادية يقضي بحسم موضوع المناصب بالوكالة ولم يتم تنفيذه وتم تأجيل الموعد المحدد له لمرات ، كما حدد قانون الموازنة الاتحادية رقم 23 لسنة 2021 موعدا لإنهاء الوكالات بالمناصب العليا بنص المادة 58 بموعد أقصاه 30/ 6 / 2021 ويلتزم مجلس النواب باتخاذ قراره بالتصويت خلال 30 يوم من تاريخ إرسال الأسماء ، ولم يتم الالتزام بذلك الموعد وهو ما يفسر وجود إرادة اكبر من قوة القانون في عدم حسم موضوع ، ومن الناحية القانونية يعد استمرار المناصب بالوكالة باطلا بعد 30 / 7 / 2021 لانتهاء المدة التي حددها قانون الموازنة ولعدم صدور موازنة 2022 ، ولكن السيد محمد شياع السوداني ربما سيخالف تلك الإرادة فقد وجه في الثلاثاء الماضي ( 7 آذار 2023 ) بالإسراع في إنهاء التقييم الشامل لأداء وعمل المديرين العامين في وزاراتهم في المدة التي تنتهي يوم 12 من آذار الجاري ، وقال بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء إن دولته ترأس الجلسة الاعتيادية العاشرة لمجلس الوزراء ووجه خلال الجلسة جميع الوزراء بالإسراع في إنهاء التقييم الشامل لأداء وعمل المديرين العامّين في وزاراتهم في المدة المقررة للتقييم وشدد على أن يكون التقييم مستنداً إلى معايير مهنية وفنية دون التأثر بأية اعتبارات أخرى.
ورغم ما عرف عن السيد السوداني خلال الأسابيع الماضية ومنذ توليه رئاسة مجلس الوزراء رغبته وإصراره على إجراء تغييرات مهمة وملموسة في الأداء الحكومي لتنفيذ برنامجه الذي صادق عليه مجلس النواب ، ورغم انه مدعوم من تحالف إدارة الدولة الذي تشترك فيه اغلب الكتل والأحزاب فانه ليس من المتوقع أن ينجز هذا الموضوع برمته بوقت قريب لأسباب عديدة ، أبرزها العدد الكبير من المدراء العامين الموجودين في الدولة ممن يشملهم التقييم وربما سيخضعون لتغيير ، وثانيها مدى انطباق وصلاحية المعايير الفنية والمهنية لتكون مقياسا دقيقا على جميع الإدارات ومن يشغلها ، آخذين بعين الاعتبار من سيقوم بالتقييم في ضوء توجهات السيد السوداني المعلنة في إجراء التغيير على كابينته بعد انتهاء المهلة التي قام بتحديدها لتقييم الوزراء ، وثالثها المدة الزمنية التي تستغرقها عملية ما بعد التقييم في اختيار البديل والإبقاء على الموجود لاختيار الأفضل والأصلح بالفعل ، ورابعها إن هذا الموضوع لا يمكن أن يكون بمعزل عن الضغوطات وإصرار البعض على التمسك ببعض الأسماء كما حصل عند اختيار الوزراء ، ورغم كل ذلك فان البعض يعول على هذه الخطوة لعلها تأتي بالجديد وتكون حافزا وفرصة للأكفاء والنزيهين في تحسين مستويات الأداء بمختلف القطاعات فهناك معاناة حقيقية قد تحل بعضها بتغيير مواقع المدراء العامين ، وهي في كل الاحوال خطوة مهمة للإصلاح إن سارت بالشكل السليم و الصحيح ، ولان 12 آذار قريبا ( أن شاء الله ) فان الكثير بانتظار النتائج للحكم على جدوى وجودة هذا الإجراء ، ونتمنى مخلصين أن تمضي هذه المبادرة بخير وتحقق جزءا مهما من النتائج المرجوة باعتبارها خطوة مهمة أهملت لسنوات وولوجها اليوم يفتح أبوابا لأمل جديد .