عشرون عاماً يا بغداد
كتب / سمير داود حنوش
عشرون عاماً مرت على إحتلال العراق، تجربة الفوضى الخلّاقة التي أرادتها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية وكولن باول مهندس الغزو وزير الدفاع في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن.
عشرون عاماً إنقضت منذ إنطلاق صفارات الإنذار في بغداد معلنة بدء الهجوم الجوي الذي قادته جيوش التحالف الدولي بقيادة أمريكا.
لم تكن صبيحة فجر العشرين من آذار يوماً عادياً عند العراقيين، فقد كان الجحيم يفتح أبوابه من السماء وهو يرمي حممه على مدنهم وشوارعهم.
كان العراقيون يعتقدون أن مسألة إحتلال بلدهم هي قضية وقت ليس أكثر مع كل تلك الجيوش والمعسكرات والتحشيدات التي تقترب من حدود بلدهم.
إمتلئت شوارع بغداد بمتاريس الجنود والمقاتلين المتطوعين لصد أي هجوم بري محتمل ممكن أن يمر من تلك الشوارع، كان الكلاشنكوف و RBG-7 يوزع على الجميع صغيرهم وكبيرهم، حتى أجواء بغداد زمجرت في ذلك الوقت بعواصف ترابية كانت تغطي المدن ربما لأن آذار يستنكر ما كان يحدث تحت مسميات التحرير.
أسراب الطائرات في السماء كانت تتصيّد كل ماهو متحرك على الأرض، لذلك كان يعمد النظام إلى حرق الإطارات ليتصاعد دخانها في السماء للتمويه وليغطي الأنظار عن الأهداف التي حُدد قصفها.
عشرون من السنوات لازالت ذكرياتها مُراً علقماً في ذاكرة أغلب العراقيين، في حين غادرت وأصبحت تحت التراب مع من بات تحتها.
أيام الجحيم التي بدأت من فجرالعشرين إلى ظهيرة التاسع من نيسان كانت الحد الفاصل الذي قلب حياة العراقيين إلى الأسوء، قبلها كانت حقبة الحصار الإقتصادي الذي فرضته الإدارة الأمريكية منذ عام 1991 ولغاية إعلان قرار التحرير أو الإحتلال.
هوس وإنتقام وإصرار على القتل لا مبرر له لتدمر شعب وتهديم حضارة ونسف دولة بمؤسساتها وحقد لا تجد له نظير في تاريخ الشعوب، مع إن ما يحدث اليوم من بعض الدول التي تمارس سياسات التحدي وبناء منظوماتها التسليحية والدفاعية وتحديها لكل القوانين والأعراف الدولية هو أكثر وأفضع مما كان يمارس في السابق.
يقول بول بريمر في مذكراته بعد إحتلال بغداد “إجتمعت بمجلس الحكم الذي تم تشكيله بعد الإحتلال من الذين دخلوا مع الدبابات الأمريكية، وعند دخولي على المجتمعين كُنت متخوفاً من سؤالهم لي ماذا فعلتم بالعراق؟ وإذا بهم يسألوني عن رواتبهم ومخصصاتهم، لذلك جلست معتدلاً وأنا أنظر الى هؤلاء الذين سيحكمون العراق”.
هل تعتذر أمريكا للعراقيين عن هؤلاء؟ سؤال من السذاجة، بل الإستغباء أن تنتظر جواباً عمره عشرين عاماً مع كل هذا الخراب والإنهيار والفساد والسقوط في قعور الإنحطاط.
من الصعب أن تُجيبك راعية الديمقراطية التي ألبست العراقيين ثوباً ليس بمقياسهم، فضفاضاً مهلهلاً.
عشرون عاماً بدأت من صبيحة العشرين من آذار لتعلن حقبة جديدة للعراقيين عنوانها الفساد والتجهيل والقتل والطائفية.
يمكن تخيل حجم المؤامرة والإصرار على التخريب والتعمّد في التدمير عندما تشاهد فلول الجيش الأمريكي في ذلك الوقت وهي تنتشر لتجعل من قواتها سوراً لحماية وزارة النفط، بينما إستباحت ومهدت لسرقة المتاحف والآثار والأسواق والمؤسسات الحكومية، وبعد كل الذي حدث بالعراق هل نتوقع الإعتذار الأمريكي؟ وإذا كان توني بلير قد وضع حداً لمسألة تأنيب الضمير الذي رافقته بأكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي يملكها العراق وقدم إعتذاراً لا يقدم ولا يؤخر لمآسي العراقيين التي جلبتها بريطانيا مع حليفتها أمريكا، فإن الأخيرة وعلى ما يبدو لا زالت في الإنكار بحقيقة الجريمة التي إقترفتها بإبادة شعب تاريخه موغل في القِدم.
يستذكر ما تبقى من العراقيين الأحياء ذكرى صباحات الإحتلال الحزينة عندما تعرفوا على شخصية الحاكم العسكري جي غارنر تبعه بعد ذلك بول بريمر الحاكم المدني الذي أسس مجلس الحكم لقيادة العراق على أن يتولّى كل عضو فيه رئاسة البلد لمدة شهر وحسب الحروف الأبجدية، في مهزلة من مهازل الإحتلال وسُخرية الأقدار التي كانت تضحك على العراقيين وأيامهم، (مثل ما رحتي إجيتي) هو المثل العراقي الشعبي الذي ينطبق على حال العراق اليوم حيث لم يعد سوى اليأس والحسرة وإنتظار الأسوء القادم.
هل تعتذر أمريكا؟ وماذا ينفع الإعتذار أو حتى الندم لبلد تم تهديمه وتخريبه ولم تعد سوى الأطلال التي يمكن مشاهدتها…تبت يدا من إحتل وساهم في إحتلال العراق.