العراق تحت وجع المطرقة السياسية وسندان الاعلام
كتب / رياض عبد الكريم
هل شكل الاعلام الجزء الكبير في نجاح العمل السياسي ، ام انه شكل الجزء الأكبر من فشل العمل السياسي ، وفي كلا الحالتين فالاعلام والسياسة وجهان لعملة واحدة ، فكل وجه يمثل نظرية فيها من السوء بقدر مافيها من الاصلاح ، والعملة هي القيمة الوطنية العراقية، التي تكاد ان تضيع مابين نظرية المؤامرة ونظرية الاصلاح ، وهنا تكمن خطورة المشهد السياسي الاعلامي العراقي ، ذلك ان استبداد الخطاب السياسي ومحاولة هيمنته على مختلف التناولات الاعلامية اسقط بعض المؤسسات الاعلامية في الجدلية المهنية من جهة ، والحرية من جهة اخرى ، والنوازع النفسية والانتماءات الايديولوجية المسيسة من جهة ثالثة ، وعلى هذا الاساس يمكن ان تضيع القيمة الوطنية التي ينشدها كل الشرفاء والاوفياء لهذا البلد في خضم صراع مابين السياسة والاعلام يفتقد الى الحكمة والتعقل والاتزان متجها نحو سلم الانحدار الذي سوف يلغي او ينهي مرحلة السنوات التي مضت بعد 2003 ، فهي في كل الاحوال تبقى تجربة لانقول عنها انها كانت ناجحة بالتمام والكمال ، الا انها تحسب تجربة يمكن ان يقاس من خلالها حجم الفشل او النجاح ، اذا ما توفرت لذلك النوايا الصادقة ونكران الذات وحب واحترام الشعب والمصلحة الوطنية التي يسعى لها ويتمناها كل العراقيين ،
غايات استباقية
وعلى اساس فأن ثمة اسئلة تثار في هذا السياق من بينها، هل ابتعدت الماكنة الاعلامية عن حيز الحياد، وهل خضعت للضغوط السياسية مقابل حفنة من الدولارات، وهل انتهجت مبدأ التسويق العشوائي على حساب المصلحة الوطنية ، ام انها لاتزال تعيش بين نارين اما الترويج لكل ماهو زائف وغير حقيقي ، او الانحدار لمستويات التشهير والترويع بهدف ممارسة سياسة التسقيط للبعض ، وتلميع وجوه البعض الاخر، واين يقف الاعلام المستقل بمهنيته ونزاهته وواقعيته بين كل هذه المتناقضاتِ
لعل من البديهيات ان اذكر ان الواقع السياسي في اي بلد لابد ان يستند على سلسلة من الركائز لبناء كيانه السياسي وتحديد اسس اهدافه المستقبلية وتفعيل نظريته وفق الاطر الايديولوجية والفكرية ووفق المرحلة التأريخية التي يمر بها البلد ، ولعل من اولويات هذه المرتكزات هي القاعدة الجماهيرية ، والبرنامج السياسي والانتخابي والقناعة الشعبية بالاهداف والشعارات والوعود التي تطلق لكي تساهم في توسيع الرقعة الجماهيرية التي تساهم في خلق حيز واسع من المساحة التي يجري فيها التحرك من اجل الكسب والمناصرة ، وطرح الافكار والمناقشة ، ومن ثم التأكيد على حقيقة المصداقية والتوجهات الوطنية التي تؤطر افكار وبرامج الحزب ايا كان اتجاهه طالما طرح نفسه كمشروع لتحقيق الافضلية للشعب والقضاء على الاستبداد والدكتاتوريات والقمع والاضطهاد ، وهذا طبعا ينطبق على الاحزاب التقدمية التي تنظر الى مصلحة الشعوب وتنادي من اجل حياة حرة كريمة له في محاولات نضالية مختلفة الاساليب للارتقاء به الى مستويات راقية تبعده عن الظلم والفقر والعزل والتهميش وتقربه الى مستويات العيش الرغيد الذي يحفظ حقوقه ويحدد واجبات.
العلاقة الارتدادية
ولو قربنا هذه المفردات الى حيز الواقع السياسي العراقي في صيغة سؤال : هل تحقق ذلك فعلا ؟ اقول للاسف كلا لم يحصل ذلك !! والاسباب عديدة وقد ذكرتها في عشرات المقالات ولااريد تكرارها ، ولكنني سأكتفي بالأهم حسب تقديري الخاص ، الا وهو العلاقة الارتدادية مابين السياسة والاعلام !!
انطلاقا من ذلك فأن المنظومة السياسية بقيت تتعامل مع المؤسسة الاعلامية على انها صيغة التقديم والايصال ، التلميع والتزيين لبعض وجوه الاطراف السياسية من خلال توليف وترتيب التصريحات والخطاب السياسي لاغراض ونوايا تهدف الى الترويج لاهداف وغايات استباقية لصناعة قضية ما تكرس للكسب المضاف او التسقيط المغرض ، وهذه الحالة كانت وماتزال احد اهم نقاط الخلافات السياسية والتي بدأت تتعمق في الاونة الاخيرة مبتعدة كليا عن حيز التوافقات والحلول ، وبالمقابل فأنا لاازكي كل المؤسسات الاعلامية من حيث المهنية الصادقة والامانة الصحفية في نقل الحدث ، اذ توجد بعض من هذه المؤسسات من تتصيد في الماء العكر وتحاول ان تتجاوز الحقائق في اتجاه فبركة الاوراق وخلق الازمات وتصعيد المواقف وتخريب التجربة العراقية كونها مسيسة وتخدم اهداف اسيادها سواء اكان هؤلاء من داخل العراق ام من خارجه .
لقد اصبحت السياسة في العهد الجديد بمثابة صناعة وطنية ، لانها تخضع اساسا للربح والخسارة وتداخل الرأي والرأي الآخر ، وهذه المفردات كلها قد تأثرت وتطورت بفعل التقدم الهائل للتكنولوجيا التي دخلت بقوة بالعمل السياسي من خلال سرعة التواصل ودقته بفعل الانترنيت والتواصل الاجتماعي والفيس بوك ، ونقل المعلومات عبر الاقمار الصناعية ، وهذه الامور قد انعكست ايجابيا على العمل الاعلامي بل اصبحت هي ادواته اليومية في الفعل والانتاج ، لذلك نجد ان حتمية هذا التطور قد انتج تداخلا اساسيا وكبيرا مابين العمل السياسي والعمل الاعلامي الذي يجب ان يستثمر وفق مفاهيم حضارية عصرية تؤطرها نوايا حسنة، وتفهم واحترام لطبيعة عمل كل منهما ،لأن الفصل او الاختلاف فيما بينهما سيؤدي حتما الى شرخ كبير في تجربة العراق الفتية ويخلق حالة من الارباك والتشويش سيكون ضحيته الشعب العراقي ، لذلك فأن العمل الاعلامي مكملا وموضحا الصورة الحقيقية للعمل السياسي بكل سلبياتها وايجابياتها ،وهو بنفس الوقت مراقبا وليس رقيبا على الاداء السياسي ، لأن هذا الاداء مرتبط بالشعب الذي يفترض ان يكون القضية الاولى في المنهج السياسي .
خدمة المصلحة الوطنية
كما ينبغي ترسيخ مفهوم السياسات العامة وصناعتها ودور الاعلام في هذا المجال لأن ذلك سيشكل نقطة بداية اساسية لتحديد نمطية العلاقة بين السياسة والاعلام وفرصة ديمقراطية لمناقشة سبل الارتقاء وتطوير العمل الاعلامي والسياسي وتنمية فرص الحوار الذي نريده ان يخضع للمهنية والشفافية في حدود خدمة المصلحة الوطنية وتعميق المفاهيم الحضارية، من خلال التعامل بعفة الضمير الحي في كلا المجالين السياسي والاعلامي ، وان تكون المهمة السياسية الاعلامية تسير بخط مستقيم واضح واضح يهدف الى خلق فضاءات ايجابية للحوار الواقعي وتنمية الحس الوطني الذي يخفف او يلغي تلك التقاطعات التي كانت دائما تفتعل الازمات وتؤجج الصراعات، بما يجعل المشهد السياسي مفككا ومشتتا يخطو خطوة الى الامام وعشرة الى الوراء .
وهنا لابد من الاشارة الى الاعلام المسيس ، فكثير من الاحزاب وبفعل تنامي مواردها المالية قد اسست لها محطات اعلامية كبيرة من فضائيات وصحف ووكالات انباء وجيوش الكترونية ، استخدمتها لتوظيف خطابها السياسي بما يخدم مصالحها ويعزز نفوذها في الوسط الجماهيري ، وغالبا مايطغي محتوى هذا الخطاب على مفردات تسقيطية ضد احزاب اخرى، واحيانا حتى ضد الفعاليات الحكومية والبرلمانية الامر الذي يخلق حالات من التوتر والانفعال غالبا ماتقود الى تحريك الفتن والعبث وتحطيم المسيرة الوطنية التي تجد حالها في تلك الممارسات غير محمية ولاسند لها ، وهذا مايؤثر سلبيا على المنجز الوطني ويربك حركة التوجه للاصلاح والتغيير واستشراء الفساد، لذلك فأن هذا الاعلام المسيس والمتوغل في التمسك بمنهجه السياسي لايتعامل مع الامور وفق النظرية الوطنية ، انما وفق نظريته التي تأسس من اجلها دون ان يأبه الى مايمكن ان يؤدي ذلك الى اهتزاز الثقة بين الجماهير والواقع السياسي كونه لايتعامل مع الجمهور على اساس حاجاته وطموحاته ، لانه لايرى الا نفسه وحاجاته وطموحاته .
صناعة القرار السياسي
إن بعض أنماط الأداء الإعلامى المنفلتة تشكل تهديداً كبيراً للمصالح الوطنية والأمن المجتمعي فى عديد الدول، لكن ضبط الأداء الإعلامى المنفلت وإلزامه بالقواعد المهنية لا يعنى أبداً إسكات صوته أو مصادرته كونه يؤدى دوراً جوهرياً فى صيانة المصالح الوطنية، ليس فقط من خلال أداء وظائفه الأساسية المتمثلة بالإخبار، والتعليم، والتثقيف، والترفيه، وغيرها، ولكن أيضاً عبر تحقيق الاندماج الوطنى، والإسهام فى عملية التنمية، وتعزيز المشاركة والمساءلة والممارسة الديمقراطية، والرقابة على السلطات العمومية.
ان كل الانظمة السياسية في العالم لاتعيش في فراغ بل تتحرك ضمن اطر بيئية داخلية وخارجية تدفع الية المتغيرات لكي تؤثر في مضمون صنع القرارت. وبما ان هناك علاقة بين وسائل الاعلام ودورها في صنع القرار السياسي وحجم ذلك الدور وصعوباته فان الاعلام بلا شك هو لغة الحوار الجديدة فيمثل بشكل او اخر حلقة الوصل بين الجماهير ومتخذي القرارات السياسية فيقع على عاتق هذه الوسائل (الفضائيات، الانترنت) على وجه الخصوص خلق حالة من التفاعل بين الراي العام وقرارات السلطة السياسية وبات الاجدر بها ان تسعى جاهدة من اجل الامن الوطني والسياسي واحداث تغيرات في المجتمع بطريقة تضمن حقوق جميع الاطراف ، كما يساهم الاعلام في ردم الفجوة بين كل الاطرؤاف السياسية المتصارعة ، وكلما زادت ديمقراطية النظام السياسي ازدادت درجة الاعتماد على النظام الاعلامي. فهذا النظام يتبنى عمليات تشغيل الافكار والمعلومات في الوسط المحلي والدولي (اجهزة صنع القرار) فالعملية الاعلامية لاتتأسس من فراغ اجتماعي ولكنها تعمل مؤثرة ومتاثرة في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، بما يكفل تحقيق المنجز الوطني خاليا من الشوائب والارتباك.