الأكثرية والأقلية
كتب / د. محمد فلحي
ليست كثرة العدد دليل على الحق، فالله سبحانه وتعالى يقول( وأكثرهم للحق كارهون)..ورغم ذلك بنيت الانظمة الديمقراطية على وهم حكم الاكثرية ومعارضة الأقلية، فهل كان الحكم الديمقراطي رشيدا، كما ينبغي!؟.. بالطبع كلا في كثير من الحالات، فهل معنى ذلك ان الحكم الفردي الدكتاتوري هو الحل.. كلا أيضا، وكلا دائما!
ما هو الحل اذن!؟..
ان يقرب من مركز القرار الفاضل ويستبعد الفاشل، وان يتولى الحكيم ويطرد الزنيم، وان توضع معايير عادلة للصعود الى أعلى المراكز من اهمها الشهادة العلمية وشهادات موثقة في حسن السلوك والنزاهة والشرف والحكمة والكفاءة ، وهي معايير صعبة نادرة في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل!
من النوادر في المواقف الطريفة، حضرت ذات مرة مجلس عزاء في ذروة انتشار وباء كورونا، وكنت الوحيد من بين العشرات من الجالسين ارتدي الكمامة حسب التعليمات الصحية، وكنت طوال الوقت اشعر بالاحراج والخجل امام نظرات الاكثرية المخالفين للتعليمات العلمية وشروط الوقاية، حتى جاء شاب نحيف يرتدي الكمامة مثلي، وراح يسلم على الجميع واحدا واحدا، وعندما صافحني، احتضنته بحرارة وقبلت ما بين عينيه، ورجوته ان يجلس الى جانبي، وقلت اجلس هنا يا ولدي فقد انقذتني، وكنت اظن نفسي وحيدا فريدا محاصرا وسط طوفان من الجهل!
وفي موقف مشابه حضرت دعوة فطور عند احد السادة المسؤولين الاثرياء الكرماء، وتعمدت ارتداء الدشداشة المريحة وسط حضور رسمي مقوط ومربط رهيب، حتى جاء رجل عجوز يسعى بدشداشته البيضاء مثلي ، وسلم وجلس قربي، وكان الجميع ينظرون الينا باعتبارنا من المارقين، رغم اننا من الاقلية غير السارقين، ولا نملك سوى هاتين الخرقتين النظيفتين والحمد لله!
وكنا نحن الاثنان نمثل الأقلية الخاسرة المخالفة في مقاييس الديمقراطية الزائفة!
وهكذا في العلم والتعليم والادارة يحارب المتفوقون المجتهدون وهم قلة قليلة لان جريمتهم النكراء هي تميزهم وابداعهم بين الكسالى والتافهين!