القمة الصينية الروسية .. مؤشرات نحو التعددية القطبية
كتب / مقداد العرادي
جون جوزيف ميرشايمر؛ عالم سياسي أمريكي، وباحث في العلاقات الدولية، ينتمي إلى مدرسة الفكر الواقعية. وهو أستاذ الخدمة المتميزة بجامعة شيكاغو. وقد وُصِف بأنه أكثر الواقعيين نفوذاً في جيله. في محاضرة مصورة له منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أشار فيها؛ إذا وجدت الولايات المتحدة نفسها في عالم متعدد الاقطاب، مع الصين، كمنافس رئيس، وقوة مهيمنة أقليمية محتملة، وروسيا، كقوة عظمى ضعيفة، فمصلحة الولايات المتحدة التحالف مع روسيا، وعلى الولايات المتحدة تقليل قوتها في اوروبا، وتشكيل تحالف مع روسيا، لتحقيق التوازن ضد الصين. هذا هو ما يجب فعله، ولكن لسوء الحظ، أنها أختارت بدلاً عن ذلك، القتال مع روسيا، وأصبح الروس ألان عدوًا لدودًا لها، ودفعت الولايات المتحدة بالروس الى أحضان الصين، كما زادت الولايات المتحدة من وجودها العسكري في اوروبا، كمحاكاة لزمن الأحادية القطبية، في وقت كان عليها التركيز على أسيا، غير ان الأمريكيين يجدون صعوبة بالغة في التحول الى أسيا، عندما تزيد الألتزام في أوروبا. عدا فترة قصيرة، لم تستمر، تحاشت الولايات المتحدة، وروسيا، في عهد الرئيس الامريكي دونالد ترامب الصدام، وإجترحا وسائل للتفاهم، توجت بقمة هلسنكي عام ٢٠١٨ لتحسين العلاقات الثنائية، حتى مع ضم روسيا لجزيرة القرم عام ٢٠١٤. ولكن هذه العلاقات الحذرة لم تصمد، ودفع الرئيس الامريكي جو بايدن بإتجاه التصعيد، مما لم يترك لروسيا أي خيار غير الصدام. لذا، فإن ذلك يعني، أن الولايات المتحدة بهذا السلوك، تدفع بالروس الى أحضان الصينيين. وهذا يوصل الأجابة، أن ما يجري في المستقبل المنظور، تحرك نحو عالم يكون فيه الروس والصينيون ضمن صف واحد، والكوريون الشماليون كغيرهم، الذين توقفت الإتصالات التي أجراها ترامب معهم للتفاهم نحو علاقة أفضل، لم يكتب لها النجاح، وغيرهم أيضاً كالإيرانيين في ذلك الصف، لم يرق حتى الآن، لئن يسمى تحالف الشرق. ويكون اليابانيون، والكوريون الجنوبيون، والأستراليون، وأمريكا، وأوربا، ضمن ما يسمى بتحالف الغرب.
هذه، وجهة نظر غربية أكاديمية، ورؤية سياسية إحترافية، لواقع حال العالم، الذي ساهم الأمريكيون بصنعه، قد يكون ذلك بجهل، أو بحماقة، أو قد يكون بعنجهية، ذلك بالدفع اليه، عالم بدأ بالتشكل، لنظام جديد، متعددالاقطاب. أو عالم لقطبين متحالفين، على أقل حال.
كان يمكن للولايات المتحدة، لو أدركت هذه الحقيقة، ان تنشئ علاقة متميزة مع روسيا، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، مبنية على التعاون المثمر، والنوايا الصادقة.
غير إن طبيعة الولايات المتحدة، لا تقر بمبدأ الشراكة، وحسن المعاملة، وإنما بواجب التبعية، والإملاءات، لسياساتها، وفق مبدأ؛ إن لم تكن معي، فأنت ضدي. فكانت فترة حكم الرئيس بوريس يلتسين، من أسوء الفترات التي مرت على روسيا في عصرها الحديث، وهي فترة العصابات، والمافيات، والخفايا، بكل مساؤها، من ضياع هيبة الدولة، وغموض المستقبل. لقد كانت تجربة مريرة لدولة عظمى، بحجم روسيا، وأصبحت مثلاً سيئاً، لبقية دول العالم، التي تبحث في أن تجد نفسها، بعيدة عن عالم القطب الواحد، الى عالم متعدد الأقطاب. ربما ظهرت معالم ذلك بوضوح، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي أفرزت الى العيان عالمين، عالم الغرب، المنحاز الى أوكرانيا، وعالم الشرق الآسيوي، المتحفز.
وقد تلخصت القطبية الجديدة، حين توضحت، بما جاء بكلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ، عقب محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ أشار؛ الى أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت كونها علاقات ثنائية، وهي ذات أهمية كبيرة، للنظام العالمي. وأن العلاقات الروسية-الصينية القائمة على شراكة شاملة، وتعاون استراتيجي، تدخل عصراً جديدًا. وأوضح الرئيس شي جين بينغ هذه القطبية الجديدة، بالقول: لقد لخصنا أنا، والرئيس بوتين، معاً، نتائج تطور العلاقات الثنائية على مدى السنوات العشر الماضية، واتفقنا على أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت العلاقات الثنائية، وهي، ذات أهمية حيوية للنظام العالمي الحديث، ولمصير البشرية.
بمعنى، إن العلاقات الصينية الروسية، لم تعد علاقات ثنائية بين دولتين، وإنما هي علاقات محورية، تؤسس لنظام عالمي جديد، ليس إهتمامه محصورًا ببلدين كبيرين عظيمين، مثل روسيا والصين، بل هو نظام يتعلق بمصير، ومستقبل، البشرية جمعاء.