صناعة الأدوية في العراق ليست بخير !!
كتب / باسل عباس خضير
صناعة الدواء في العالم من القضايا الحيوية التي تهم الإنسانية جميعا ، ومع ظهور الأساليب الحديثة والمطورة لصناعات الأدوية تتجه معظم شركات الأدوية لتسابق الزمن في اكتشاف وتطوير العقاقير والأدوية لإثبات تفوقها ولإثبات أنها الأفضل على مستوى العالم ، والهدف الرئيسي المفترض لشركات الأدوية هو العمل على تحسين الصحة العامة ورعاية المرضي ، وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى من بين دول العالم في إنتاج الأدوية والعقاقير تليها سويسرا في المرتبة الثانية ثم الهند ثالثا وفرنسا رابعا وبريطانيا في المرتبة الخامسة ، ورغم إن الدول العربية لا تزال في مرحلة الإعداد لإقامة المراكز البحثية والعلمية ، إلا إن واقع الحال في بعض الأقطار العربية يشير إلى ارتفاع نسبة الاكتفاء الذاتي من الأدوية ، فحسب تقارير ( معلنة ) فان مصر تغطي 90 % من حاجة الاستهلاك بالصناعة المحلية للدواء وتحتل صناعة الدواء لديها التسلسل 9 ضمن القطاعات المستهدفة التي حددتها حكومتهم للوصول بصادرات بحجم 100 مليار دولار بحلول 2030 ، واستنادا لبعض المؤشرات في البلدان العربية فان المغرب تغطي 85% من الاحتياج الدوائي وفي سورية تصل النسبة لأكثر من 80 % وفي اليمن 40 % وفي السعودية 20 % وفي لبنان 12% ، علما إن نسبة مهمة من الإنتاج العربي يعتمد على الكيماويات المستوردة من الخارج في حين أن صناعة الدواء الحقيقة يجب إن تستند على البحوث والتنمية وأبحاث تطوير الدواء والصناعات المغذية التي تعتمد على الكيماويات المتقدمة و اغلبها غير متوفرة بشكل متكامل في البلدان العربية فبعضها تعتمد على الوكالات او التراخيص .
وبلدنا عريق في صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية ، فقد أسست الدولة شركة حكومية ( الشركة العامة لصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية ) في سنة 1965 بموجب معاهدة التعاون الاقتصادي والفني بين العراق والاتحاد السوفيتي لعام 1959 ، وباشرت بالإنتاج الفعلي عام 1971 و الهدف الرئيسي للشركة هو دعم الاقتصاد الوطني في مجالات صناعة الأدوية وإنتاج الأدوية البشرية المختلفة التي من شأنها تلبية احتياجات البلاد وفقا للمواصفات العالية وتصنيع الأجهزة الطبية المختلفة والشروع في الأبحاث الطبية والدوائية لإنتاج عقاقير جديدة إلى جانب إنتاج الأدوية البيطرية المختلفة ، وللشركة عدة مصانع لا تزال قائمة لحد اليوم وأبرزها ( مصنع أدوية سامراء ، مصنع بغداد لإنتاج الغازات الطبية ، مصنع بابل لإنتاج المحاقن النبيذة والغازات الطبية ، مصنع أدوية نينوى في مدينة الموصل ، مصنع المحاليل الوريدية نينوى) ، وواقع حال هذه المصانع إنها لا تسد الاحتياجات المحلية رغم إن بلدنا يعد من المنافذ التسويقية المهمة نظرا للنمو السكاني والتوجه نحو الاستهلاك الدوائي في ظل غياب الأنظمة الصحية الكفوءة والفاعلة التي تعين المواطن على تلبية حاجته من الخدمات الصحية ، فهناك تداخل وتقاطع بين القطاع الطبي الحكومي والأهلي كما إن تطبيق برامج الضمان الصحي الشاملة لا تزال طور الأمنيات ، مما يجعل تجارة الأدوية من أكثر أنواع التجارة ( المربحة ) ، وما يساعدها في ذلك ضعف الرقابة التي تتابع الأدوية من حيث مصادر الاستيراد وهوية المستوردين والأسعار والأنواع وتواريخ صلاحياتها ، ويعاني العراقيون من أزمة الدواء وتهريبه والتشكيك ببعض مصادر توريده وارتفاع أسعاره ، كما تعاني المستشفيات الحكومية من نقص بالأدوية مما يجعل المرضى وذويهم يتحملون أعباء شرائها من الصيدليات الخارجية لقاء مبالغ مكلفة للكثير ، ويتم استيراد معظم الأدوية في العراق من مختلف بلدان العالم واغلبها من الدول المجاورة مثل إيران والأردن وتركيا ودول الخليج العربي ، ووزارة الصحة العراقية سبق أن حذرت من خطورة المتاجرة غير الرسمية بالأدوية لافتة إلى أنّ دخول الأدوية المهربة إلى العراق جوا وبرا وبحرا صار واحداً من أكبر التحديات .
وفي محاولة لتحسين الواقع الدوائي فقد أكد رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني خلال اجتماعه مع رابطة منتجي الأدوية في العراق بشأن توطين الصناعة الدوائية ، إن حكومته وضعت الملف الصحي في أولويات المنهاج الوزاري مشيراً إلى أن سوق الأدوية في العراق ينفق نحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً لاستيراد الأدوية وأغلبها لا تخضع للفحص ، وبحسب بيان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء فقد شهد الاجتماع مناقشة واقع السياسة الدوائية في العراق وسبل تطوير الصناعة الدوائية ومعالجة عوائق توطينها داخليا ، وأكد السوداني أن الجانب الدوائي يحتاج للمزيد لإعادة التنظيم في مجال السيطرة على الاستيراد العشوائي للأدوية لتحقيق أمن دوائي متكامل ، وأشار بان صناعة الأدوية يجب إن تكون من محركات الاقتصاد وتسهم فيه ، مؤكداً أن سوق الأدوية في العراق رغم ما ينفقه سنوياً لاستيراد الأدوية وأغلبها لا تخضع للفحص فانه لا ينتج سوى 10% من الاحتياجات مؤكدا أن القطاع الخاص قادرا على إنتاج أكثر من 250 نوعاً إضافياً من الدواء بالتعاون مع الشركات العالمية خلال مدة تتراوح من ستة أشهر إلى سنة وان الحكومة على استعداد لتقدم التسهيلات لاستيراد المواد الأولية مع تحديد سقف زمني لتطوير المصانع ورفع قدراتها الإنتاجية على وفق المواصفات المعتمدة ، وفي ذات السياق كشف نقيب الصيادلة الدكتور مصطفى إلهيتي في تصريح سابق لشبكة ( رووداو ) الإعلامية عن وجود 20 معملاً لإنتاج الأدوية في العراق وأن نصف هذه المعامل لا يعمل لأسباب تتعلق بالبيئة الاستثمارية وموضوع البنى التحتية وغيرها ، منوهاً إلى إن مجلس الوزراء العراقي سبق وان قرر وضع حماية لبعض المواد الدوائية من خلال عدم استيرادها وبحدود 23 مادة ، و إن هذه الحماية لم تطبق بعد بسبب عدم وجود دراسات فعلية وحقيقية عن حجم الاستهلاك لهذه المواد في السوق العراقية ، وأشار النقيب بأنه من الممكن أن تكون هنالك حماية جزئية لـ 23 منتجاً دوائياً في المستقبل .
وبخصوص الوضع في مجال صناعة الدواء في القطاع الحكومي ، فان الشركة العامة لصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في سامراء تعاني من جملة مشكلات أبرزها الخسائر التي تتعرض لها ، فقد أصدرت الإدارة العليا فيها توضيحا حول تفاصيل الخسارة وجاء في التوضيح بأنها تعرضت للخسارة من بداية 2022 لغاية ٣٠/ ١١ / ٢٠٢٢ بمقدار (32 ) اثنان وثلاثون مليار دينار ، وأضافت أن أسباب الخسارة هو تحمل الشركة رواتب منتسبيها بكافة أقسامها ومصانعها المتوقفة ( مصنع نينوى ، مصنع المحاليل ، مصنع بغداد ، مصنع بابل ، تسويق العامرية ، تسويق كركوك ) ، حيث بلغت قيمة الرواتب المسددة لغاية تشرين الثاني ( 43 ) ثلاثة وأربعون مليار وهي تمثل ما يزيد عن ٦٥% من قيمة المصاريف الإجمالية للشركة ، وأشارت إلى إنها تحملت مصاريف رواتب العقود والأجور لغاية تشرين الثاني وبمبلغ ثلاثة مليارات . كما إن الشركة تتحمل شهريا مبلغ (٣٣٠) ثلاثمائة وثلاثون مليون دينار وبما يساوي (٤) مليار سنويا عن تسديد التوقيفات التقاعدية من مواردها الذاتية لكافة المنتسبين بضمنها الأقسام والمصانع المتوقفة ، وتابعت أن الشركة تتحمل مصاريفها التشغيلية كافة (المصاريف السلعية والخدمية ) من مواردها الذاتية والتي تمثل بحدود ( ٣٠- ٣٥% ) من مصاريفها الإجمالية ، ومن باب التعويل على القطاع الحكومي والخاص في البدء بتغيير واقع الصناعات الدوائية في بلدنا افتتح السيد محمد شياع السوداني ( مصنع الصحة الوطني ) التابع إلى دائرة العيادات الطبية في وزارة الصحة والمختص بإنتاج المستلزمات الطبية من المواد المعقمة ومحاليل الغسيل الكلوي وغيرها ويضم أربعة خطوط للإنتاج ، وقال عنه رئيس مجلس الوزراء ( إن افتتاح المصنع ينسجم مع رؤية الحكومة في تنشيط الصناعة الدوائية وتوطينها ويمثل قصة نجاح تستحق الاهتمام حيث اعتمد على القطاع الخاص الرائد بالمواصفات الدولية ، وان وجودنا في افتتاح هذا المصنع رسالة دعم من الحكومة للقطاع الخاص في توطين الصناعة الدوائية ، وهو هدف وضعناه وبدأنا تطبيقه بشكل عملي وأهمية هذا المنجز تأتي في تأمينه موادّ كانت تستورد من خارج العراق ، وما يرافق ذلك من مشكلات كثيرة تعاني منها وزارة الصحة في تأمينها في ظل الأزمات الاقتصادية والأوبئة ) ، وأكد بان الدولة لا بد أن تكون قادرة على تأمين مستلزمات الصحة للمواطنين بدلاً من الانتظار أن تأتي الشحنات من هذه الدولة أو تلك ، وحديث دولة الرئيس يؤكد ما ذهبنا إليه في عنوان هذه المقالة بان صناعتنا الدوائية ليست بخير وجهوده بالاهتمام بالدواء تعطي شعور بالارتياح ولكن هذه الجهود تحتاج لزخم في الاستمرار بما يحقق التغيير ، وان تغيير هذا الواقع بما يرفع القدرة الصناعية للأدوية يحتاج لمسيرة أميال وليست بخطوة او بعدد محدود من الخطوات .