كم سنة يحتاج العراقي ليمتلك مليون دولار ؟!
كتب / د. باسل عباس خضير
المليون دولار في العراق يعادل مليار و320 مليون دينار بموجب سعر الصرف الذي حدده البنك المركزي العراقوي في 7 شباط 2023 والذي لم تلتزم به الأسواق لحد اليوم ، ورغم إن الأموال مصدر جذب للكثير من الناس إلا إننا لم ولن نعرف كم عراقي يرغب في أن يمتلك يوما مليون دولار ، وبغض النظر عن عدد الراغبين فقد أعدت منصة ( بيكودي ) المالية دراسة قدرت بموجبها عدد السنوات التي سيستغرقها الفرد في مختلف دول العالم لجمع مليون دولار ، و( Picodi ) هي منصة تسوق ذكية عبر الانترنت مصممة لمساعدة المتسوقين في جميع أنحاء العالم ، وقام محللو المنصة بإجراء الدراسة في عدة دول بناء على متوسط الراتب الشهري في كل دولة ، وشملت الدراسة دول من مختلف القارات بلغ عددها 102 دولة بضمنها العراق ، وقام محللو المنصة بإعداد ترتيب ( تصنيف ) للدول التي شملتها الدراسة استنادا إلى متوسط الراتب الشهري في كل دولة ، و استنادا للمعطيات التي توفرت لخبراء المنظمة فقد حل العراق في المرتبة 45 ( عالميا ) بين بلدان العالم ال102 التي شملتها الدراسة ( بعد استبعاد عدد من البلدان مثل السودان وسوريا وفلسطين وغيرها ) ، ووفقا للحسابات التي أجريت فان الفرد العراقي يحتاج إلى 154 عاما وشهر ليجمع مليون دولار فقط ، والدول الخمس الأولى التي تصدرت التصنيف في قدرة أفرادها على جمع المليون من حيث عدد السنوات ( 1 . سويسرا : 14 عاما و3 أشهر 2. سنغافورة : 16 عاما و11 شهرا 3. لوكسمبورغ : 17 عاما و4 أشهر 4. الولايات المتحدة : 19 عاما و10 أشهر 5. أيسلندا : 20 عاما و11 شهرا ) ، أما الدول الخمس الأخيرة في التصنيف فكانت ( 1. باكستان : 621 عاما و3 أشهر 2. مصر : 603 عاما و6 أشهر 3. أوغندا : 523 و3 أشهر 4. نيجيريا : 519 و1 شهر 5. النيبال : 420 و9 أشهر ) ، والدول العربية التي احتلت المراتب الخمسة المتقدمة في الوطن العربي فجميعها من دول الخليج العربي وهي ( 1. قطر: 21 عاما و3 أشهر 2. الإمارات : 23 عاما و9 أشهر 3. سلطنة عمان : 38 عاما و6 أشهر 4. الكويت : 41 عاما وشهرين 5. السعودية : 41 عاما و10 أشهر) .
ورغم إن الدراسة وضعت العراق في تصنيف ( متوسط ) بوقوعه في التسلسل ( 45 ) من بين ( 102 ) دولة ، إلا أنها أشارت إلى إن المدة التي يحتاجها الفرد العراقي لجمع مليون دولار هي 154 عام ، وهي بالطبع مدة خيالية او مستحيلة رغم إنها بفارق 467 عام عن باكستان التي وضعت في التسلسل الأخير ، ويبدو إن منصة بيكودي التي تولت إعداد الدراسة لم تأخذ بنظر الاعتبار الظروف التي تمر بها مدخولات الأفراد في العراق ، فالمليون دولار لا يمكن أن يبلغه ملايين العراقيين من المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية التي تمنح 120 دولار شهريا لمعيشة المواطن معدوم الدخل من المعوقين وكبار السن واليتامى والأرامل وغيرها من الفئات المحرومة ، كما إنها لم تراعي حالة أكثر من مليون ونصف متقاعد بأعمار تزيد عن 60 وبمرتبات مقدارها 494 ألف دينار شهريا ( 340 دولار ) ، فضلا عن إنها لم تراعي مدخولات الموظفين في الدرجات العاشرة والتاسعة والثامنة والتي لا تزيد رواتبهم الشهرية عن 200 دولار ، والفئات التي ذكرناها وسواها لا تستطيع بالفعل أن تجمع مليون دولار ليس في 154 سنة وشهر وانما حتى في مليون سنة ، لان مدخولاتهم اقل من حدود الكفاف بكثير وغير قابلة للتوفير، فمن أين يجمعون المليون دولار في 154 عام ؟ فهم من الفئات الأكثر تعرضا لانخفاض متوسط أعمارها بسبب نقص الخدمات الصحية وضعف التغذية ونوعية المياه و وعدم ملائمة السكن وانعدام الرفاهية والعيش بالفاقة والفقر .
والجانب الذي أهملته هذه الدراسة يتعلق بما يتم تداوله محليا وبات معروفا من قبل الكثير ، بوجود أعداد كبيرة من العراقيين ليس من مزدوجي الرواتب فحسب بل ممن يتقاضون رواتب شهرية عددها بين 2- 17 او أكثر ، وهم بإعداد كبيرة بعضها بأغطية رسمية نظرا لوجود تشريعات تجيز الجمع بين أكثر من راتب و امتياز او من خلال التحايل على السياقات والتزييف والتزوير وغيرها من الوسائل التي يصعب رصدها بسبب الأغطية التي تستخدم في حمايتها من التضليل ، ونشير بهذا الخصوص إن معظم الإحصاءات الموجودة في البلاد هي تقديرية وليست دقيقة ، فالعراق لم يجري تعدادا فعليا للسكان منذ 1997 ، كما إن الدولة تفتقر لمعلومات دقيقة يمكن التعويل عليها واغلبها في طور الأعداد ، والعدد المتداول لعدد الموظفين لم يكتمل لان الحكومة السابقة بدأت بمشروع مبكر لإحصاء عدد الموظفين وحسب ما يتم الإعلان عنه فان نسبة انجازه لم تنته وان وصلت لمراحل متقدمة ، كما إن هناك حالة من التفاوت بين الراتب الاسمي والمخصصات والحوافز والامتيازات ناهيك عن ضعف العدالة بين رواتب الموظفين بنفس الشهادة ومدة الخدمة والاختصاص لذا تسعى الدولة منذ سنوات لإيجاد سلم عادل للرواتب ولكنه موضوع يؤجل ويرحل من عام لعام و لايزال في طور الإعداد ، ومن باب الأمانة لا غير نقول لتلك المنصة او غيرها المختصة بالدراسات وإجراء الترتيب والتصنيف ثم المقارنات ، إن بلدنا ليس فقيرا فحسب تقرير صندوق النقد الدولي فقد وضعنا ضمن التسلسل العالمي والأول عربيا من حيث نمو الناتج المحلي لعام 2022 ، وان هناك إفراد نجحوا بجمع المليون دولار او أكثر ليس في 154 عام وإنما في أيام ، ولا نعتقد أنهم أدرجوا بالتصنيف لتحسين رقمنا الوطني في مدة تكوين المليون دولار .