نوافذ مكسورة
كتب / سعد تركي
بعد سنواتٍ عدَّة زادت على ثلاثة عقود، قفل جاري سامي كامل عائداً من مهجره في كندا إلى محلّته في حيِّ البنوك بالعاصمة بغداد.. كان فرحاً بلقاء أهله وأحبته وجيرانه، وحزيناً لأنَّ الموت غيَّب عدداً كبيراً منهم. وبرغم أنَّ الكثيرين تعرَّفوا عليه سريعاً، كانت به حاجة إلى شرح طويل ليتعرَّف وجوه جيران وأحبَّة وأصدقاء طحنهم الزمن وغيَّر ملامحهم.
في نهاره الأول، دُهش من ضيق شوارع الحيّ التي تمدَّدت على أرصفتها المحال التجاريَّة، وعديد مركبات أغلقت درابين محلات السكن.. عجز عن تفسير ولع أغلب جيرانه بغسل مركباتهم صباحاً ومساءً، وأغاظه هدر ماء الإسالة الهائل في بلد على أعتاب موجة جفاف.. أغاظه أنَّ البيوت مضاءة ليلاً ونهاراً برغم الشكوى من غيابها.. أزعجته سخرية جاره حين رآه يفتش عن مكان يرمي به قنينة ماء فارغة، "ذبها بالشارع اشبيك؟!"، قال جاره ضاحكاً.
روى سامي لجاره انضباط الناس الشديد في كندا والتزامهم، فلا تجد أحداً، مثلاً، يتجاوز السرعة أو يقطع إشارة أو يتشاجر أو يرمي القمامة في الشوارع، فالسر، كلّ السر، في عدم التسامح مع الخطأ الصغير.. التسامح مع الخطأـ مهما ضؤلـ قال له، سيؤدي إلى الفوضى وانعدام الأمن وغياب الجمال وتراكم الأزبال في الشوارع.. في كندا نظافة المكان وأناقته تمنعك طوعاً عن تخريبه ورمي القمامة فيه.
في ليله الأول، تذكر سامي كامل تجربة لعالم النفس والاجتماع، فيليب زمباردو، أسماها (النوافذ المكسورة)، توصل فيها إلى أنَّ التسيَّب والانفلات الأمني ثمرة للفوضى وعدم الاعتناء بالأمور الصغيرة، قال زمباردو: إنَّ وجود نافذة مكسورة في شارع دون إصلاح لفترة طويلة سيولد قناعة بأنَّ المكان والشارع غير معتنى بهما وغير خاضعَين للمتابعة، وهو ما سيجعل المجرمـ والمواطن العادي أيضاًـ يتجرأ على النيل من باقي النوافذ والعبث بكلِّ شيء.. نام سامي ليلته يحلم بالبدء بإصلاح نوافذ الوطن المكسورة.