وستتكلم أيديهم!..
كتب / ا.د. جهاد كاظم العكيلي...
شواهد التأريخ كثيرة عن بني البشر إزاء ما يؤدون من أدوار سلبية في بِناء المجتمعات أو تخريبها، وتدميرها لاسيما ذلك التدمير الذي يستهدف الركائز الأساسية المُتمثلة بالقيَّم المادية والمعنوية، والتي تُعد مصدرا مُهما لديمومة الحياة البشرية بمعناها الإنساني ..
وسجل التأريخ حافل بالقصص المُعيبة التي دُونَّت على مدى سنين طوال عن ذلك التدمير الذي إستهدف المجتمعات على أيدي القائمين عليها يُقابل ذلك كثير من القصص الإيجابية التي دعت الى أهمية تجنب هؤلاء القائمين على تدمير مجتمعاتهم من طريق تقديم النصح والأرشاد والمواعظ بهدف بِناء المجتمعات بناءً سليما من طريق تجنّب الشطط في إدارة شؤون الناس وقضاء حوائجهم وهي ما يُطلق عليها اليوم بالحقوق والواجبات المُناطة بالمسؤول إزاء رعيته ..
وفي سِياق هذا المعنى نصّت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على ذلك والتي عكف على سَنها عُلماء الأرض والحُكماء والرجالُ الصالحون مؤكدين على ضرورة حماية الإنسان وإحترام حقه في الوجود من خلال توفير الحياة الحُرة الكريمة له، غير أن الواقع يؤشر الى أن الأحداث التي جرت في العصر القديم والعصر الحديث وتداعياتها كانت ولا تزال تسير بعكس الإتجاه والسبب طبعا عدم التقيد بالنصوص والشرائع على من وجود بعض الإستثناءات التي تُشير إلى وجود فعل الخير لكنها لم تكن دائمة لكونها أفعال فردية وليست سلوكا جمعيا يعم على البشرية ..
ومن هنا طالما وجدنا أن أمةَ العرب التي أراد لها الله أن تكون "خير أمة أخرجت للناس" كانت ولا تزال من أكثر الأمم التي إنتشر فيها الظلم والإستبداد، فيما ساحاتها هي من أكثر الساحات التي سالت فيها دماء الأبرياء والمظلومين لإرضاء النوازع الشيطانية للحاكم أو المسؤول ..
والمؤسف حقا أن يبقى العرب على مدى قرون طوال يظلمون بعضهم بعضا من دون أن نجد بين صفوفهم رحمة ولا شفقة في نفوس كثير منهم، وأمثال هؤلاء يحّلون الحرام ويبطلون الخير، ويقتلون الناس بأيدهم والسِنتهم، ويندبونهم على ما حدث لهم وما أصابهم، ويبيعون أوطانهم ويشترون بها ثمناً لرغباتهم وتسلطهم على شعوبهم، ومن ثم يتباكون على مُستقبل أوطانهم، وكأنهم لم يفعلوا شيئا من هذا القبيل ..
ويقينا أن حال العراق هو من حال هذه الأمة، بل حاله مُركب كونه الأسوء والأصعب ذلك أن البقية الصالحة التي تُدير شؤون البلاد والعباد صار حالها كحال قوم صالح يوم عقروا الناقة وظلوا السبيل، فكم منَّا أسهم بعقر العراق، وجعله أوصالا مُتشظية ومتناثرة وقلوبا مُمزقة وأرامل وشيوخا واطفالا تتسول، فيما كانت كثير من البيوت قد هُجرت والأرض إقفرت والجهل إنتشر، وكأننا لم نقرأ التأيخ جيدا ونحن الذين كَتبناه وجعلنا منه حجة علينا في أعمالنا وما ندعو إليه عبر مواقعنا وخطبنا ثم نقرأ كِتاب الله ونتلوه، ونقول قوله تعالى (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) .. فيا ليت لم تكن لنا أيدٍ ولا أفواه ولا أرجلُ حتى لانظلم أنفسنا .. ولكن كانوا لأنفسهم يظلمون ..