“الناس على دين الملوك” أم “كيفما تكونوا يولى عليكم”
كتب / ادهم الشبيب
الجدلية المطروحة بهذه الصيغة غير ذات ضرورة أو ان التناقضية المفترضة هنا غير ذات وجود في حقيقتها . الموضوع أشبه ب (البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة) ، فلا خلاف على ان احدهما من الآخر حتما ، كما لا ضير ان يكون أحدهما الأول ولايقدح ذلك في الامر ولايلغي من أثره شيئا. وبعد ان نلحظ إن احداهما مقولة “سياسة شائعة” والأخر “حديث برتبة ضعيف” ، فلسنا في هذا الشأن بل في تطبيقيته ،
تخيل ان هناك مجموعة من الناس ، قوم او قبيلة أو دولة نسبة الفاسدين منهم 70% والحكم بالتصويت فالمؤكد ان ال 70% سيختارون فاسدا على شاكلتهم او يمثلهم ، وهذا تماما مصداق “كيفما تكونوا يولى عليكم” ، فأن كان هؤلاء جهلاء يختارون جاهلا وان كانوا عشائريين يختارون عشائريا وان كانوا فاسقين يختارون فاسقا وان متدينين يختارون لحكمهم متدينا ، اما أذا كان الحكم “غلبة واغتصابا” فذاك امر آخر ، ولكني ارى ايضا ان لايدوم قبولهم له أو صبرهم على الحاكم المتغلب إلا اذا كان على شاكلتهم “على شاكلة اغلبيتهم” فلا يصبر الكريم على اللئيم طويلا ولا يكون عبدا له و إن تغلّب عليه،
رأينا إذن مَن تقلد حكم الفاسدين عندما كان انتخابا ، إلا اذا كان الأمر يؤؤل لأهل الحل والعقد او النخبة وهم النسبة المتبقية ال 30% ،وهذه هي “المشاورة والتناصح” عندها سيتصدر ممثلا أرقى عقلا و أقل ضررا على الدوام الى ان يتشذب ذوق العوام فتتسع دائرة الوعي ويصلون يوما الى انتخاب اجدى و انفع ، ولذلك خفت قضية تولي الفاسدين او غير الكفوئين في صدر الاسلام بالشورى وكذلك بعد الثورات الاوربية التي سبقها تنوير من قادة فكريين ألى ان وصلوا للديموقراطية الواعية “البرلمانية” و”الانتخابية” التي هم عليها اليوم ، فصار ال 70% من الوعي والالتزام بمكان أنهم تأهلوا لاختيار نماذج قليلا ما تخطئ ،وان أخطأوا الاختيار سهُل تصحيحه،
وقضية “دين الملوك” تصرف الى كل حاكم او ذي قيادة او منصب او مشيخة يتبعه اناس يكون الاثر الاكبر عليهم له وان وجد من هو اعلى منه ، او الاثر الاعلى له وان كان هناك من دونه يؤثرون ،
ففي مثال دولة الإسلام الأولى ولانه كان حكم شورى واهل حل وعقد-كما أسلفنا- فكانت نسبة الخطا او نسبة تولي غير المستحقين اقل ، لذا ايضا يتفرع من هذا الموضوع قضية اخرى هي تثقيف الناس وتوعيتهم وتهذيب اخلاقهم لكي يكونوا صالحين فيتولى عليهم الصالح -باختيارهم- ، الآن طُبقت وعرفت “كيفما تكونوا يولى عليكم”،
دعنا نستكمل الفكرة ، إذن أولئك السبعون الفاسدون اختاروا فاسدا فاصبح ملكا عليهم ، وان كانوا حمقى يختارون احمقا ، اقلهم حمقا وربما اكثرهم! وان مرتشين سيختارون اكثرهم تعاطيا للرشوة ، وهكذا دون استثناء فلا يقبل -عقلا- ان يختار المرتشون ممثلا نزيها فتضرب مصالحهم ،والناس ميالون لتحقيق أغراضهم ، وهنا يبدأ هذا الملك “الحاكم” المنتخب باصدار قرارات وشؤون ووضع قوانين تساير جماهيره ورعيته الفاسدة او الغبية او الغوغائية ، فيسود هذا هذا النوع من الناس ورويدا يتغلغلونض للتحكم بمفاصل الدولة فقد بدا باختيار اشباهه ومن يخدمه ومن يدين له بالولاء ،وحاشيته تختار -من أشباهها- بالطريقة نفسها لأن مردها اليه وتروم ارضاءه وادامة كيانها الفاسد ،
فبدات نسبة ال 30% الصالحة تلك بالتاثر تدريجيا ايضا ،فنصفهم على الاقل سيفسدون مع الوقت تماشيا مع الحال الجديد والجو العام فيصير الناس -مع الوقت- “على دين ملوكهم” ،
فان كان الملك فاسدا استغل الفاسدون الامر للوصول ، وتقرّب ضعفاء الصالحين اليهم بالفساد ليحظوا بسبل عيشهم التي تضيقت على الآخرين ، فإن كان الملك عشائريا صار الناس يميلون الى العشائرية وان كان حزبيا مالوا الى التحزب وان كان فنانا مالوا الى الفن ، ولذا يقال في التاريخ ان الملك فلانا بنى الدولة الفلانية وازدهرت بعصره ، فالمامون كان عالما يحب العلم فازدهرت بغداد في عصره ومعها بقاع المسلمين ، وهكذا فسدت في عصر المستعصم ، وازدهر الأدب الأوربي في عصر فكتوريا والان تنهض الصين وفي العشرينات والسبعينات نهض العراق ،ولذلك فان الاهم في هذه الدائرة المتداخلة ، وإن الحلقة الأبرز في طريقة الديموقراطية هو تثقيف الناس وتوعيتهم ليتهيؤوا لاختيار من يحكمهم بشكل سليم على طريقة “كيفما تكونوا يولى عليكم” ، فياتي هذا الملك الصالح او الكفء او العالم العفيف او الشجاع ، وتبدا الرعية بالاقتداء به، ومفاصل الدولة تتاثر بقراراته النافعة فيتحقق “الناس على دين الملوك” ايجابا