هل باتت القمّة “المُنتَظرة” بين الرّئيسين الأسد وأردوغان وشيكةً ؟
كتب / عبد الباري عطوان
بانتِخابه الرئيس رجب طيّب أردوغان رئيسًا لولايةٍ ثالثة تستمرّ 5 سنوات، يكون الشّعب التركي، أو بالأحرى أغلبيّته، قد اختار “الاستِقرار” و”التّغيير” معًا، أيّ استقرار الحُكم، وسياسة التغيير السّياسي الإقليمي التي اتّبعها، وتحديدًا بعد انقلاب صيف 2016 العسكري الفاشل، واكتشافه، أيّ الرئيس أردوغان، أن قاعدة “إنجيرليك” العسكريّة الأمريكيّة ساهمت بدورٍ كبير في التّخطيط والتّحريض والتّنفيذ في هذا الانقِلاب.
التغيير الذي نتحدّث عنه هُنا، يختلف كُلّيًّا عن التغيير الذي رفعت شِعاره المُعارضة التركيّة بقيادة كمال كليتشدار أوغلو وتحالفه السّداسي، من حيث إدارة الظّهر، جُزئيًّا أو كُلّيًّا، للولايات المتحدة الأمريكيّة والتّحالف الغربيّ الذي تقوده، والانفتاح على النظام العالمي الجديد بزعامة الثنائي الروسي الصيني، وعُنوانه الأبرز منظومة “بريكس” ومُعاهدة “شنغهاي”.
بمعنى آخر بدأ الرئيس أردوغان العودة إلى السّياسات الإقليميّة والاقتصاديّة الجديدة التي تبنّاها حزب العدالة والتنمية بزعامته مُنذ اليوم الأوّل لوصوله إلى السّلطة عام 2002، قبل أن تُورّطه الولايات المتحدة في مصيدة ما يُسمّى بالرّبيع العربي، والتدخّل العسكري لإسقاط أنظمة وحُكومات في الجِوار العربي.
الخطأ الأكبر الذي ارتكبه كمال كليتشدار أوغلو زعيم المُعارضة في رأيي، اعترافه العلني بانتمائه للمذهب العلوي في بلدٍ 80 بالمِئة من سُكّانه (85 مِليون نسمة) من السنّة، وتأكيده على أنّ جُذوره العائليّة تعود إلى قبيلة قريش، في دولةٍ يتصاعد فيها التعصّب القوميّ التركي، ورِهانه على التّغيير الشّبابي، وقد تخطى الـ 74 عامًا من عُمره، وربّما كانَ الأفضل له ولتحالفه اختيار مُرشّح شاب مُجرّب مِثل أكرم إمام أوغلو رئيس بلديّة إسطنبول، الذي هزم أردوغان في عُقرِ داره.
***
هُناك أربع تحدّيات رئيسيّة تُواجه الرئيس أردوغان بعضها داخلي، والبعض الآخر إقليمي ودولي في المرحلة المُقبلة:
الأوّل: حالة الانقسام الرّأسي الذي أسفرت عنه الانتخابات الرئاسيّة، حيث حقّقت المُعارضة إنجازًا كبيرًا عندما ضيّقت الفجوة مع الحزب الحاكم إلى أقل من خمس نقاط، ومن غير المُستَبعد أن تلجأ في الأشهر المُقبلة إلى موجةٍ من الاحتِجاجات والاعتِصامات لزعزعة الاستِقرار.
الثاني: الأزمة الاقتصاديّة التي تُواجهها البِلاد، وتتمثّل في ارتفاع نسبة التضخّم (حواليّ 55 بالمِئة) وانخفاض سِعر اللّيرة (تجاوزت العِشرين مُقابل الدولار)، والدّين الخارجي الذي اقترب من نِصف ترليون دولار.
الثالث: مسألة الهجرة، ووجود حواليّ ستّة ملايين مُهاجر من بينهم 3.5 مليون لاجِئ سوري، وهي المسألة التي استغلّها تحالف المُعارضة في حملاته الانتخابيّة الأخيرة بنجاحٍ لافتٍ بمُداعبته لليمين القوميّ المُتَشَدّد.
الرابعة: إعادة إعمار ما دمّره الزّلزال الأخير، وتعويض المُتضرّرين، ويبدو أن السّياسات التي اتّبعها حقّقت تقدّمًا كبيرًا بدليل أن 60 بالمِئة من النّاخبين في الأماكن التي ضربها الزلزال أعطوا صوتهم للرئيس أردوغان.
رِهانُ أمريكا على المُعارضة في الانتخابات الرئاسيّة مُني بهزيمةٍ كُبرى، ولم يستطع تحقيق الهدف الأبرز وهو إبعاد تركيا عن الصين وروسيا، والعودة مجددًا وبالكامل إلى الحُضن الأمريكي، وما حدث هو العكس تمامًا، أيّ أن الرئيس أردوغان وبهذا الفوز، حصل على تفويضٍ شعبيٍّ مفتوحٍ للاستِمرار بسياساته الانفتاحيّة على المحور الصيني الروسي، وتوثيق العلاقات مع الجارين السوري والإيراني، وتعزيزها بصُورةٍ مُماثلةٍ، أو أكبر ممّا كانت عليه قبل ثورات الربيع العربي.
لا نكشف سِرًّا عندما نقول إن اللّقاءات المُكثّفة التي رعتها كُل من روسيا وإيران طِوال الأشهُر الماضية، وجمعت وزراء الخارجيّة، والدّفاع في تركيا وسورية نجحت في وضع الأُسس الرئيسيّة لمُصالحةٍ تُركيّةٍ سُوريّةٍ على المُستويات كافّة.
الرئيس السوري بشار الأسد الذي التقيته لأربع ساعات في منزله الخاص قبل أُسبوعين في دِمشق، كان واثقًا بأنّ الرئيس أردوغان سيفوز في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسيّة ولمست أن الرئيس السوري الذي يتبنّى حاليًّا سياسة “صِفر مشاكل” مع كُلّ خُصومه العرب، ويتطلّع إلى فتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع تركيا، لا يثق كثيرًا بالمُعارضة التركيّة، ويتعاطى بحَذرٍ مع قياداتها، بسبب علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، ومواقفها المُعادية للتحالف الروسي الصيني الإيراني، وهذا ما يُفسّر عدم تجاوب الرئيس الأسد مع غزل المُعارضة التركيّة، ورغبة رئيسها كليتشدار، أو وفدٍ من التّحالف السّداسي الذي يتزعّمه القيام بزيارةٍ لدِمشق قبل الانتخابات، وعُروضه المُغرية بالمُشاركة في عمليّة الإعمار، ودفع تعويضاتٍ لسورية مُقابل تسهيل عودة اللّاجئين السوريين وتسريعها.
البند الجوهري الذي يتصدّر التفاهمات السريّة التي جرى التوصّل إليها من خِلال لقاءات موسكو الرباعيّة بحُضور الوزراء السوريين والأتراك، هو الضّمانات الروسيّة الإيرانيّة بانسِحاب القوّات التركيّة من الأراضي السوريّة بعد الفوز في الانتِخابات الرئاسيّة، التي يبدو أن الرئيس السوري إطمأنّ لها.
***
القمّة بين الرئيسين السوري والتركي، وربّما في حُضور رئيسيّ روسيا وإيران باتت وشيكةً جدًّا إذا صدقت الوعود ببدء الانسِحاب التركي، والعودة إلى اتّفاق “أضنة عام 1998″، اللّذين سيكونان الحجر الأساسيّ لهذه المُصالحة التاريخيّة، ويبدو أن الرئيس أردوغان الذي بات الحليف الأقوى لروسيا، والعدوّ الأكبر لأمريكا بات مُؤمنًا بل ومُتحمّسًا لها، وسيكون من أبرز ثِمارها عودة اللّاجئين السوريين إلى بلادهم، وتدفّق الاستِثمارات الخليجيّة لدعم الاقتصادِ التركيّ.
“تركيا الجديدة” التي ستتبلور ملامحها على الصّعد كافّة بعد فوز الرئيس أردوغان بولايةٍ رئاسيّةٍ ثالثة، ستكون مُختلفة كُلّيًّا عن تركيا ما قبل الانتخابات، من حيث تعزيز الاتّجاه شرقًا، وتوثيق العلاقات مع كُل من سورية والسعوديّة وإيران ومِصر، علاوةً على الجزائر وتونس وليبيا في الشّمال العربيّ والإفريقيّ.. واللُه أعلم.