هل سيُنهي الحِلف البحري الإيراني الخليجي وجود القواعد الأمريكيّة في المِنطقة.. وكيف؟
كتب / عبد الباري عطوان
من يُتابع تصريحات المسؤولين الأمريكيين هذه الأيّام، وعلى رأسهم أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة، حول الجُهود الأمريكيّة المُتصاعدة لتطبيع العُلاقات بين المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الاحتِلال الإسرائيلي يَخرُج بانطباعٍ راسخٍ بأنّ هؤلاء يعيشون في كوكبٍ آخر، أيّ بعيدين كُلّيًّا عن التحوّلات الجذريّة في المِنطقة، وأبرزها السّير بسُرعةٍ على طريق إنهاء النّفوذ الأمريكي، السياسي والعسكري في مِنطقة الشّرق الأوسط، والخليج على وجه الخُصوص.
ما يدفعنا إلى البدء بهذه المُقدّمة، ما أعلنه بلينكن في خِطابه اليوم أمام اللّوبي الصهيوني في واشنطن، من أن “تطبيع العلاقات بين السعوديّة وإسرائيل يندمج ضِمن المصالح الأمنيّة للولايات المتحدة ونُؤكّد التِزامنا الصّلب بأمن إسرائيل وأن كُل الخِيارات مفتوحة لمنع إيران من إنتاج أسلحةٍ نوويّة”.
ad
***
الرّد القويّ والأكثر صلابةً، على هذه الأوهام التفاؤليّة جاء صاعقًا ومُقلِقًا، لكُل من الولايات المتحدة الأمريكيّة ودولة الاحتِلال، ولبلينكن نفسه، من خِلال توجيه أربعة لكمات قاتلة:
الأولى: إعلان الأدميرال شهرام إيراني قائد سلاح البحريّة الإيراني يوم أمس عن تشكيلِ تحالفٍ مُشترك بين البحريّة الإيرانيّة ونظيراتها مع أربع دُول خليجيّة، هي المملكة العربيّة السعوديّة الإمارات البحرين وقطر إلى جانب سلطنة عُمان التي كانت السبّاقة ووقّعت تحالفًا مع البحريّة الإيرانية قبل سنوات.
الثانية: الإعلان اليوم في كُل من الرياض وطِهران عن فتح السّفارة الإيرانيّة في الرياض غدًا الثلاثاء بحُضور كِبار المسؤولين في البلدين على رأسهم السّفير الجديد السيّد رضا عنايتي نائب وزير الخارجيّة الحالي ممّا يعكس حجم الاهتِمام بهذه الخطوة.
الثالثة: كشف أنباء مُؤكّدة عن عزم الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجيّة السعودي زيارة إيران في الأيّام القليلة القادمة حامِلًا رسالةً إلى الرئيس الإيراني السيّد إبراهيم رئيسي، ولإجراء مُباحثات لتعزيز التعاون التجاري والأمني بين البلدين.
الرابعة: توقيع الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطّاقة السعودي اتّفاقًا مع نظيره الروسي على تفاهمٍ جديد يُعزّز اتّفاق “أوبك بلس” السعودي الروسي، بتخفيض الإنتاج للحِفاظ على أسعارٍ عادلةٍ للبترول، وجاء التّجاوب فِعليًّا مع هذا القرار الذي جاء “لطمةً” قويّةً لأمريكا وحُلفائها، وارتفاع الأسعار فورًا، علاوةً عن تكذيب كُلّ التّقارير الإخباريّة الغربيّة التي تحدّثت عن وجودِ خِلافٍ سعوديٍّ روسيٍّ نفطيّ.
من الطّبيعي أن تُصيب هذه التطوّرات المدروسة، وغير المُفاجئة، الولايات المتحدة الأمريكيّة في مقتل، وخاصّةً البند الأوّل المذكور آنفًا، المُتعلّق بإنشاء التّحالف البحري الأمني المُشترك بين إيران ودُول الخليج الذي يعني إسقاط كُل المُبرّرات الأمريكيّة والأوروبيّة حول حِماية الدّول الخليجيّة من الخطر الإيراني، وأبرز مظاهرها وجود الأساطيل (الأسطول الخامس يتمركز في البحرين) وحاملات الطّائرات والقواعد الأمريكيّة والغربيّة في هذه الدّول، مِثل قاعدة العيديد في قطر، والظّفرة في الإمارات، والدوحة في الكويت.
جُيوش المِنطقة وفرقاطاتها البحريّة وغوّاصاتها وزوارقها السّريعة، هي التي ستتولّى في المُستقبل حِفظ أمن أراضيها، ومياهها الإقليميّة، ولم تعد بحاجةٍ إلى الابتزاز الأمريكي، فها هو “البُعبُع” الإيراني يُصبح حليفًا وجُزءًا من التّحالف الإقليمي الجديد، وها هي “الفِتنة” المذهبيّة الشيعيّة السنيّة التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكيّة طِوال العُقود الماضية لتبرير وُجودها، ونهب ثرَوات الدّول الخليجيّة يتم وأدها، وتحقيق مُصالحة تاريخيّة تَوحّد ويتم بناء تحالف قوي على أساسها الجديد القوي.
***
نعترف أنّنا لم نتوقّع أن يتطوّر التقارب السعودي الخليجي مع إيران بهذه السّرعة، وتبديد أحلام نِتنياهو ورهطه في ترجمة اتّفاقات “سلام أبراهام” إلى تحالفٍ أمنيّ وعسكريّ بزعامته ضدّ إيران، وتحويل مِنطقة الخليج إلى سُوقٍ ضخمةٍ للأسلحة والعتاد العسكري الإسرائيلي، خاصّةً “القبب الحديديّة” و”مِقلاع داوود”، التي ثَبُتَ فشلها وأُكذوبة الخُبرات الأمنيّة الإسرائيليّة “المُتفوّقة” معها، بفِعل العودة المُباركة للمُقاومة الفِلسطينيّة.
اليوم تحالفٌ أمنيّ بحريّ مُشترك بين إيران وجيرانها في الخليج، وغدًا تحالفٌ “صناعيّ” صاروخيّ ومُسيّراتي يقوم على تبادل الخُبرات والتكنولوجيا، والخُبرات النوويّة في المجالين السّلمي والعسكري وبعد غدٍ التوحّد في جبهةٍ واحدةٍ لمُواجهة وإنهاء الهيمنة الغربيّة على المِنطقة، والعدوّ المُشترك، أيّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي.
خِتامًا نُوجّه النّصح إلى بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي بأن لا يُبالغ في إطلاق التعهّدات بتحقيقِ التّطبيع بين السعوديّة ودولة الاحتِلال، لأنّ من الأولى أن يُحافظ على تطبيع بلاده، ووجودها وتحالفاتها في المِنطقة، بالنّظر إلى هجرة مُعظم دُول الشّرق الأوسط وعلى رأسها السعوديّة والإمارات إلى منظومة “البريكس”، ومُعاهدة “شنغهاي”، والنظام العالمي الجديد بزعامة الثّنائي الروسي الصيني، ولكنّه وبسبب الغطرسة الأمريكيّة المعهودة لن يستمع إليها، ولن يأخُذَ بها.. والأيّام بيننا.