فن انتخاب الفاسدين
كتب / محمد جواد الميالي
على أرض العراق الغامضة، حيث تشرق الشمس أكثر من إشراقةالأمل في مستقبلهِ الزاهر، يعيش نوع فريد من الناخبين.. هؤلاءينعمون بقدر عالي من اللامبالاة، فيقدمون على أنتخاب قادة فاسدينبإستمرار، هذا المواطن “اللافت للنظر” يدفعه حب عميق لكارتاتالرصيد والبطانيات، وإيمان لا يتزعزع بقوة الشعارات الرنانةللمصلحين! ولا يمكنك أن تدرك خطوات الناخبين هؤلاء، حتى لوغطست في عقليتهم المثيرة للفضول..
تخيلوا معي، موسم الإنتخابات يسير على قدم وساق، والجو مليءبرائحة العفن من الوعود السياسية الكاذبة، وبعض الناخبين مسلحونبرصيد العشرة دولارات، الذي يحمل قيمة أكبر من ضمائرهم،وينطلقون في مسعى غير نبيل، لأختيار المرشح الأكثر أستحقاقاً، لكنللأسف يبدو أن تعريفهم لمن هو ” المستحق” متشابك في شبكة محيرةمن الجهل والخداع.
عندما يدخل المواطن إلى صندوق الإقتراع، ينبهر بالسحر الآسرللسياسيين الذين يقدمون له أشياءً لامعة، مثل كارتات الرصيد وورقةالخمسة وعشرين ألف من الدنانير، التي تمنحهم بأعجوبة حرية ماليةغير محدودة؟! لماذا ندقق في نزاهة المرشح، أو تاريخه السياسيالحافل بالخديعة، بينما يمكن للفرد أن يعيش ملكاً وفي جيبه ورقةالخمسة وعشرون ألف؟! هؤلاء المجانين يتوقعون أنها ستحقق كلرغباتهم، سيشترون هاتفاً ذكياً، ويسافرون بها إلى باريس، كل ذلكمقابل صوتهم الثمين!
بعض الناخبين كالنعامة التي تدفن رأسها في الأرض، يتجاهلبسعادة غيمة الفساد التي تغطي مرشحهم الموعود، فمن الذي يحتاجإلى المساءلة، عندما تكون هناك بطانية تبقيه دافئ خلال اللياليالمظلمة للشتاء البارد؟ هؤلاء المرشحون مبهرون، أنهم خبراء في فنالإلهاء والأحتواء، يحولون بمهارة عالية التركيز من خلفيتهم الضحلة،إلى أمور أكثر أهمية كالبطانية والرصيد والخمسة وعشرون..
أما شعارات الإصلاح، التي تأسر قلب الناخب وتجعله يخفق بشدة،هذه العبارات المشهورة، تصمم بعناية لإدارة مشاعر التغيير وحبالوطن، فلها تأثير ساحر على الأفراد المطمئنين، فيحتضن الناخبالشعارات مثل عاشق في موعده الأول، أعمى عن حقيقة أن وراءالكلمات الفاخرة تلك، تاريخ أسود من الوعود الفارغة والأحلامالمحطمة.
ستبقى التساؤلات قائمة، لماذا يصر البعض على إنتخاب الفاسدين،رغم الأدلة المتزايدة ضدهم؟ لا يسعنا إلا أن نتكهن بإن توقهم للإشباعالفوري بالماديات البسيطة، يفوق أي مخاوف بشأن العواقب طويلةالمدى لأختياراتهم، في ظل مجموعات مصابة بداء الذاكرة السمكية،ويعاني من مصاعب إقتصادية، وعدم أستقرار سياسي، لذلك فإنشراء الذمم أقوى من أن يقاوم لديهم..
يصبح المواطن العراقي من غير قصد، شريكاً طوعياً في سقوطه علىخشبة الرقص الإنتخابي، وأصبح أساتذاً في فن خداع الذات،ومقايضة مستقبله بالراحة المؤقتة، وعلى نزاهته السلام مقابل مادياتعابرة.
دعونا نرفع كارتات الرصيد ونلصق الورقة الحمراء على جباهنا، ونلفأنفسنا ببطانية من السخرية، ونحي ناخبينا الأبطال، لأنهم حقاًأتقنوا، فن أنتخاب الفاسد، ونسجوا رداءً من الثقة العمياء والفرصالضائعة.. سيستمر هؤلاء الطغاة في حكمهم، لأن أفعالنا تكمن فيالكوميديا الأبدية للسذاجة السياسية، والديمقراطية تجربة لا تصلحفي المجتمعات التي يقودها الأغلبية الجاهلة.