مستر يس وحدود العراق مع الكويت!
كتب / عباس سرحان
في مثل هذا اليوم، الثاني من آب 1990 استيقظ العراقيون على صوت مذيع الاذاعة العراقية وهو يتلو بيانا عسكريا عن غزو الكويت تصدرته العبارة الشهيرة ” لقد خسف الله الارض بقارون الكويت”.
وما جرى لاحقا أثبت أن الخسف لم يحل بالكويت، إنما حل بالعراق الذي هوى في بئر سحيقة بدأت بتدمير جيشه وشعبه وبناه التحتية وانتهت بارتهان قراره السيادي واحتلاله .
بكل المقاييس، كان غزو صدام للكويت قرارا أهوجا كما كل قراراته التي حددت مصير العراق، فليس معقولا أن يدخل بلدٌ حربا ثانية بعد عامين فقط من خروجه خاسرا منهكا مدينا من أطول حرب في القرن العشرين” حرب صدام ضد إيران”.
وإذا لم نقل أن صدام كان مجنونا، فعلينا أن نضعه في خانة العمالة للغربي الذي رقص فرحا على رماد الشرق المحترق، ودول مهمة عسكريا واقتصاديا فيه” العراق وايران والكويت” تتدمّر وتُنهك.
وبعيدا عن كل المبررات التي ساقها صدام لغزو الكويت، فالنتائج التي ترتبت عليه تُسقطها جميعا، فاذا ادّعى صدام بأن الكويت أغرقت سوق النفط بالإنتاج وتسببت بخفض سعره، فهي لم تؤذ العراق وحده وانما سائر المنتجين.
وكان يمكن مناقشة الموضوع في اروقة اوبك.
واذا طالبت الكويت صدام بدفع عشرة مليارات دولار اعتبرتها ديونا وظنها صدام مساعدات وانزعج لأجلها، كان يمكن تسوية الحكاية ايضا بطرق أخرى غير الحرب والدمار.
خصوصا وان ما دفعه لها العراق بعد الغزو بلغ نحو 52 مليار دولار، وهي أضعاف ما طالبت به.!
أما اذا تطاول مسؤول كويتي على المرأة العراقية، وهو ما لم يسمعه العراقيون سوى من آلة صدام الاعلامية، فإن العراقيات دفعن ثمنا باهضا لغزو الكويت واضطر المئات منهن للعمل في سورية والاردن في ظروف ليست مناسبة.
وحين زعم صدام بأن الكويت أرض عراقية ويجب ان تعود لحضن العراق، فالمصيبة أن أراض واسعة ومياه إقليمية عراقية ألحقت بالكويت بموافقة صدام نفسه بعد هزيمته .
فأي مبرر مهما كان جديا لا يصمد أمام النتائج الكارثية التي ترتبت على غزو صدام للكويت، والتي ما زال العراق يعاني منها.
فالعائدات المالية العراقية تودع الى اليوم في البنك الفدرالي الامريكي ولا يحق للعراق التصرف بها دون موافقة امريكية، استنادا الى قرار الامم المتحدة رقم 986، لعام 1995 المستندة للفصل السابع من ميثاق الهيئة الدولية.
لقد وقّع صدام على ورقة بيضاء في خيمة صفوان المهينة وتنازل عن حقوق مهمة للعراق كما تنازل عن اراض ومياه عراقية وكبّل العراق لعشرات السنين.
انه تنازل المهزوم المرتعد، حتى ان الصحف الغربية استهجنت اذعان صدام لكل ما طلب منه دون أن يحترم مسؤوليته كرئيس دولة يحتم عليه واجبه صيانة الحدود الاقليمية لدولته.
فسمّته “مستر يس” لأنه كان يجيب بنعم على كل طلب يقدمه شوارسكوف قائد قوات التحالف الذي دخل مع ممثلي صدام في جولة مفاوضات من طرف واحد.
ومن خيمة صفوان في 1991 والى اليوم تحمل العراق أوزارا جسيمة، لأن الحكومات بعد 2003 وجدت نفسها ملزمة بقرارات أممية محمية امريكيا لا يمكنها التملص منها.
لأن تلك القرارات مقرونة بعقوبات وصيغت بشكل متقن يمنع العراق من عدم تطبيقها، والمؤلم أن هذا الملف خضع للاستثمار السياسي فصارت جهات محلية تثيره وتعتبره سبة على الطبقة السياسية الحالية متجاهلة دور صدام فيه.
وصرنا نسمع في كل مرة يثار فيها هذا الملف عبارات التخوين واللعن والشتائم توجه لهذا الطرف السياسي او ذاك دون المساس بصدام.
لا بل أن البعض صار يترحم على صدام بحجة انه كان حاميا لسيادة العراق وأرضه، متجاهلا عن قصد دوره بالتنازل عن نصف شط العرب لشاه ايران في اتفاقية الجزائر 1975 وجزء من ام قصر وخور عبد الله للكويت في اتفاقية خيمة صفوان المهينة 1991.