الجندر .. لتمتلئ الأرض ظلما و جورا
كتب / علاء فاضل ||
بين الفينة والأخرى تطرق اسماعنا مصطلحات جديدة لتسوق مفاهيم ترسم الاطار النظري لسلوكيات قادمة يراد لها ان تعمم لتصبح سمة سلوكية يطبع بها الانسان.
المصطلح الجديد يأتي للتعبير عن مفهوم جديد وتنتخب مفردة تنسجم مع المعنى فينحت في اللغة، او ان يؤتى الى مصطلح راسخ فيفكك او يجزء ليصبح اكثر من مصطلح، وهنا يكون القصد هو زحزحة المفهوم السائد وارباكه لصالح تفصيل جديدربما يكون غريبا عنه ولكنه مطلوب من قبل مروجيه.
فمن مصطلح الجنس الذي يأتي للدلالة على (الذكر والانثى) جيء بمصطلح الجنوسية ليشوش عليه حيث صرف المعنى للبحث عن تفاصيل استثنائية والعمل على موضعتها داخل بنية المفهوم حيث يأتي التعريف ليدل على ما يشعر به بعض الشواذ من ميول جنسية مغايرة لطبائع جنسهم واعتبار هذا الاستثناء جزءا من متن التعريف في حين ان مكانه الحقيقي هو هامش قصي بوصفه استثاءا، كذلك الحال مع ما تروج له الولايات المتحدة الامريكية والغرب فيما عرف بالجندر التي عملت على اجتراحه من مصطلح الجنس ايضا، و من اجل التمويه عليه وتجميله فقد اوردوه على انه يدل على النوع الاجتماعي وتاثير المواريث الثقافية في بناء الشخصية والنهوض بالمهام والاضطلاع بالاعمال فهم أرادوا ان يتغير الفهم والنظرة للجنس لا على انه قضية ترتبط بالخلق وان المهام والاعمال انما تناط بما يتناسب مع الاستعدادت البدنية الخَلقية وان طبيعة جسد الانثى لا يتناسب الا مع مهام محددة على الرغم من وجود استثناءات وان هذه الاستثناءات ليس من الصحيح الاستشهاد بها لاثبات العكس كما ان طبيعة جسد الرجل خلق ليتناسب مع ما يناسبه من مهام واعمال، انهم يريدون تسويق فكرة ان المساوات يمكن ان تتحقق بمجرد تغيير الثقافة التي ينظر من خلالها للإنسان بعيد عن اوصاف الذكر والانثى.
ومن اجل فرض هذه الفكرة سُخرت المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) لتتبنى التعريف الأمريكي الغربي لمفهوم الجندر حيث قالت: ان (مفهوم الجندر يوضح الفروق بين الرجل والمرأة الحاصلة من الدور الاجتماعي المنوط بهما، والمنظور الثقافي والوظيفة لكل منهما، وهذه الفروق هي نتاج لعوامل دينية وثقافيّة، وسياسية واجتماعية) وهي بهذا نسفت الفوارق الخَلقية وربطتها بالموروث الديني والثقافي وهي ما يجب العمل على تغييره وفتحت بذلك الباب واسعا ليشرعن الغرب غزوه الثقافي لكل المجتمعات التي لا تدور في فلكه.
اذن القضية تتعلق بعمليات التغيير الثقافي لان الثقافات هي التي تمثل حائلا بين أمريكا وفرض هيمنتها على العالم وبخاصة البلدان الإسلامية لان الدين الإسلامي لا يرتضي الركون الى المستكبر وعليه لابد من العمل على تقويض الثقافة العامة التي انبثقت منه او أسست على تعاليمه لذا راينا وسنرى عمليات حرق للمصحف الشريف وربما الكتب السماوية الأخرى التي يراد منها تهوين المقدس واعتبار فعل الإساءة اليه حقا إنسانيا طبيعيا وصولا الى سلبها القدسية والمكانة المرموقة التي تحضى بها دون الالتفات الى حق المجتمعات بالحفاظ على ثقافاتها واعتزازها بدينها، بل اكثر من ذلك عملت على جعل الأفكار الوضعية اكثر قداسة من النصوص الدينية وقادرة على إيقاف مفاعيلها السلوكية بحسب رؤيتهم.
وفقا لمبدأ (الازاحة والاحلال) فانه لابد من تهيأة بديل مدروس لاي مزاح ليحل محله بشكل مباشر من اجل عدم اتاحة الفرصة لاي بديل مصنوع خارج مؤسسات الجهة المزيحة والذي قد يمنع بديل المؤسسة او يعيقه.
وها نحن نرى ان العمل جار على قدم وساق من اجل إزاحة الثقافة الإسلامية الراسخة في عقول المسلمين بالتزامن مع العمل على إحلال الثقافة المتفسخة كبديل ثقافي عن الثقافة الإسلامية، لكن الغريب ان الولايات المتحدة والغرب عملوا على المجيء بالثقافة الضد دون تدرج ودون اعتماد الأسلوب التصاعدي، فما السبب الكامن وراء ذلك.
ان الشروع في محاولة تعميم ثقافة الجندر هي احدى الأدوات التي تعتمدها أمريكا في فرض هيمنتها على العالم وهذا يعني انها احدى أدوات تكريس القطبية الواحدة التي بشر بها فوكوياما في العام 1989 معتمدة على الفكرة الهنتكتونية الجديدة التي تذهب باتجاه صدام حضاري ناعم على طريقة جوزيف ناي، هنا يبدأ التساؤل يلوح وبشدة، اذا كانت الولايات المتحدة الامريكية تستخدم الجندر كاداة لفرض هيمنتها يؤيدها في ذلك الغرب الذي سلّم لامريكا زمامه لتحقيق المشتركات الاستراتيجية بينهما كما انها ادركت ان طموح التفرد في القطبية بات اشبه بحلم يحتضر امام ناظريها فهي تمسك بتلابيب الأنظمة المرتهنة لها لتسويق مشاريعها و هي تشعر بانها في سباق مع الزمن فما كانت تعمل بتؤدة لتحقيقه باتت تسعى لاستثمار ما تبقى لها من وقت بدل الضائع لكن السؤال هو ما السبب وراء تاييد بعض الدول التي ترفض الهيمنة الامريكية بل تعمل على قطع الطريق عليها؟ فدولة كالصين مثلا يهمها نشر هذه الثقافة لانها تجد فيها حلا لمعضلة التزايد الانفجاري لاعداد نفوسها فان العلاقة المثلية التي لا تؤدي الى ولادات ستكون حلا مثاليا بصرف النظر عما اذا تقاطعت مع الراسخ الثقافي الصيني او لم تتقاطع، كما يهمها وهي البلد الذي يعتمد الأفكار والمبادئ الماركسية التي ترى ان (الدين والأخلاق من أوهام العقل البشري) ان تزيد الهوة بين المجتمع وبين الدين والقيم المنثقة عنه.
هنا تبرز حاجة الدول والشعوب الرافضة لهذه المشاريع (وخاصة الإسلامية منها) الى اليات لردعها، ونعتقد ان الحل يبدا من الدفع باتجاه التمسك بالشريعة واعتبارها معيارا للرفض او القبول بالمشاريع خاصة الثقافية منها وهو عمل بحاجة تظافر كل مؤسسات الدولة لان التحدي بات يمثل تحديا وجوديا فاما ان نرفع الراية البيضاء ونعلن خيانتنا لديننا واما ان نعمل على بناء الدولة الممهدة لدولة صاحب العصر والزمان لان من شان مشروع الجندرة ان يملأ الأرض ظلما وجورا لانه يعيد عصر