ذكرى القاء القنبلة النووية الامريكية على هيروشيما: سيناريو الجريمة
كتب / أ.د احمد القطامين
كان صباح السادس من آب (اغسطس) من عام 1945 صباحا صيفيا عاديا باستثناء سحب من الغيوم البيضاء تتحرك ببطء في السماء وتنعكس على صفحات مياه المحيط ذات اللون الازرق الجميل.
استيقظ قائد القاذفة الاميركية ب 29 عند الخامسة صباحا.. ارتدى بزته العسكرية وهو في حالة رعب مما ستأتي بها ساعات ذلك اليوم الرهيب.. توجه الى غرفة القيادة على متن حاملة الطائرات الجاثمة على مسافة ليست بعيدة قبالة الشواطىء اليابانية لتلقي الاوامر النهائية لما يجب عليه ان يفعله في ذلك اليوم.
كانت الاوامر تنص على ان يقلع بقاذفته عند الساعة السابعة صباحا باتجاه البر الياباني، ليصل الى وجهته النهائية عند الساعة الثامنة، ويلقي بحمولته القاتلة فوق مدينة هيروشيما واذا تعذر ذلك بسبب احوال الطقس يتوجه الى مدينة كوكورا واذا تعذر ذلك يتوجه الى مدينة ناغازاكي.
اخذت الطائرة تشق سماء مكتظة بالسحب فوق مياه المحيط، لكن السحب اخذت بالتلاشي التدريجي والطائرة تقترب من البر الياباني الصافي حيث كانت تخيم على المدن اليابانية اجواء تسحقها الشمس الساطعة.
كان الطيار في حالة شديدة من الرعب وهو يقترب رويدا رويدا من المدينة الوادعة ويتذكر حمولته الشيطانية التي سيبدأ عند لحظة القائها تاريخ جديد غامض للانسانية.
واصلت الطائرة اندفاعها السريع باتجاه سماء المدينة وهي محملة بأول قنبلة نووية جاهزة للاطلاق في التاريخ، وقد اسماها القادة العسكريون الاميركيون باسم يقطر براءة وهو «الولد الصغير» وبلغت كلفة انتاجها ملياري دولار وقوتها التدميرية تعادل عشرين الف طن من مادة ت.ن.ت.
عند الساعة الثامنة اخذت الملامح العامة للمدينة الصغيرة الوادعة تتبدى لقائد الطائرة شيئا فشيئا، واخذت دقات قلبه تتسارع بينما العرق يتصبب من جبينه الشاحب.
كان جسده يرتجف بقوة، بينما الانسان الطبيعي في داخله يعاني من موجات عارمة من التوتر غير المسبوق… لقد اقتربت لحظة الحقيقة بكل مرارتها ورعبها والطائرة تدلف الى الاحداثية المحددة لها فوق وسط المدينة على ارتفاع 9357 مترا. وحسب المخطط قامت الطائرة بالدوران لجهة اليمين بزاوية 155 درجة وهي تخفض من مستوى ارتفاعها بمقدار 518 مترا لتصبح تماما عند مستوى الارتفاع المحدد لاطلاق القنبلة الجهنمية وذلك عند الساعة الثامنة والربع بالتوقيت المحلي لمدينة هيروشيما.
حسب الاجراءات المعيارية التي تدرب عليها، قام الطيار بالضغط بابهام يده اليمنى على زر الاطلاق، لكن ابهامه لم يطاوعه.. فازداد توترا، وبحركة يائسة ضغط براحة يده اليسرى على ابهام يده اليمنى بحركة عصبية لا مشاعر فيها… فانطلقت القنبلة من على ارتفاع 576 مترا فوق المدينة المترامية باسترخاء على سهل اخضر مكلل بالاشجار الخضراء المعمرة بينما اطفال هيروشيما يستمتعون بالنوم في ذلك الصباح حيث عطلتهم الصيفية.
مرت دقيقة واحدة وكانت بطيئة كما لو انها دهرا باكمله، بعدها بدأ الطيار بمشاهدة صور جهنمية مرعبة من مقصورة القيادة وهو ينسحب بسرعة فائقة بطائرته بعيدا عن سماء المدينة المنكوبة عائدا الى قاعدته وسط المحيط تجنبا لاصابة الطائرة بموجة الانفجار النووي الاولى التي تنطلق بسرعة 335 كيلومترا في الدقيقة
ابتعد الطيار بقاذفته بعيداً.. بينما المدينة تترنح تحت وابل من الموت، حيث ولد انفجار القنبلة موجة حرارية بلغت اربعة الاف درجة مئوية انتشرت عبر دائرة نصف قطرها 5ر4 كيلومترا، وغطى الغبار النووي المدينة المحترقة الى درجة انعدام الرؤية تماما.
كانت النتيجة ان 140 الف شخص لقوا حتفهم في تلك اللحظات الفارقة من تاريخ البشرية، وما هي الا فترة زمنية وجيزة حتى ظهر الرئيس الاميركي هاري ترومان امام وسائل الاعلام ليعلن ان على اليابانيين ان يستسلموا والا فإنهم سيواجهون «امطارا من الدمار ستنزل على مدنهم الاخرى من السماء»، وبعد ثلاثة ايام كانت ناغازاكي على موعد مع قنبلة جهنمية اخرى، وبعد اسبوع اعلن اليابانيون استسلامهم غير المشروط لارادة الموت الشامل.