عندما يكون السياسي مهرجاً..!
كتب / رياض سعد
من الواضح ان المقصود بالسياسي هو ذلك الشخص الذي يمارس السياسة ؛ وتعبر السياسة كما هو معلوم عن عملية صنع القرارات العامة الملزمة لكل المجتمع ، والتي قد تتناول قيم مادية ومعنوية وترمز لمطالب وضغوط خارجية وداخلية وتضع الحلول للمشاكل والازمات والاخطار والتحديات التي يتعرض لها الشعب والوطن والجماعة والامة … الخ ؛ ولا يشترط ان يكون السياسي من خريجي كلية العلوم السياسية ؛ بل إن معظم من يمارسون السياسة اليوم في العراق – بل وسابقا – هم أشخاص عاديون وبسطاء لا يملكون أي مؤهلات شخصية أو معارف سياسية مختلفة عن عامة الناس والمواطنين ؛ فماذا كان يملك صدام بن صبحة او عزت ابو الثلج وغيرهما من سقط المتاع و( لملوم العثمنة ) من خبرة سياسية أو حتى معرفة نظرية عميقة حتى يصبح رئيساً للعراق العظيم ؟! الإجابة البسيطة أنه لا يملك شيئاً، ومع ذلك أصبح رئيساً للعراق العظيم وكذلك اغلب الشخصيات السياسية الان فالأمر ذاته ينطبق عليهم .
والعجيب ان هذا السياسي البسيط – الذي جاءت به سخرية القدر – ما ان يتولى شؤون العامة ويعتلي كرسي السلطة والنفوذ ؛ حتى يستكثر على الناس العمل في السياسة او الحديث عنها بل ويطالب المواطنين بترك الحديث في الأمور السياسية تحت ذرائع مختلفة وحجج واهية ، وما هذه الاجراءات الا مصادرة صريحة لحرياتهم الفكرية ، وحقهم في التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم في مواضيع لا تعتبر ملكاً لأحد ، وبدلاً من العمل على إرهاب المواطنين فكريا وتخويفهم من الخوض في شؤون الوطن ومصلحة البلاد والسياسة حتى وصل الامر الى اعدام عراقي اصيل بسبب حلم قد راه في المنام في عهد المجرم صدام , او اغتيال عراقيين وطنيين لمجرد نقدهم لشخصية دينية تمارس السياسة الان ؛ كان المفروض بهم توعية الجماهير ورفع مستواهم الثقافي والفكري والسياسي وافساح المجال امامهم لإبداء آرائهم السياسية .
وليت الامر اقتصر على هذا الحد , فبعد ان رضى الشعب بتلك القسمة الضيزى وتركت جموع الجماهير والمثقفين والفقراء والمساكين السياسة لأهلها وتفرغوا لتحصيل لقمة العيش وحماية انفسهم واهليهم وممتلكاتهم من اعاصير السياسة والساسة المدمرة , وظنت الجماهير خيرا ب (سياسيي الصدفة ) مجبرين لا مخيرين وعللوا انفسهم بالأمنيات والتمنيات ( ب عسى ولعل الله يغير الحال ) وكما قال الشاعر :
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها … ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
الا ان معرفتنا بهؤلاء الساسة – سابقا وحاليا – حالها كما وصف حكيم العراق الامام علي : (( … , لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم , معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما , قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا , وشحنتم صدري غيظا , … )) (1)
وجرت رياح الساسة العملاء بما لا تشتهي سفن العراقيين الاصلاء , وانحرف هؤلاء عن جادة الوطنية – ان لم يكونوا منحرفين اصلا – وتخلوا عن تحقيق مصالح الوطن والمواطن , بل نفذوا ما خططوا له من خطط منكوسة ومدمرة ، بعون وأوامر من اسيادهم المحتلين والمستعمرين , مع الفارق الكبير بين حكومات الفئة الهجينة الاجرامية وحكومات العهد الديمقراطي الراهن .
ومما مر عرفنا ان السياسة تتكون من أمرين مهمين جدا الا وهما : اولا : الدارسات النظرية العميقة والمعلومات السياسية المهمة والمعرفة الميدانية الاستراتيجية – باختصار : المعلومة – ؛ وثانيا : العقلية السياسية – المنطق السياسي – والخبرة السياسية ؛ ونجاح السياسي وتفوقه يعتمد على هذه الثنائية الجوهرية .
ولكن شتان ما بين المفروض تحققه ومخرجات العملية السياسية الراهنة ؛ فالحقيقة والخيال – المفروض – وجهان جميلان يعيشان داخل الإنسان لكنهما يختلفان على أرض الواقع، هناك خيط رفيع يفصلهما وأحياناً يختلط الأمر بينهما فنري الخيال – المفروض – ونعتقد أنه امر يجب تحققه في الواقع الخارجي بينما قد يكون صعب الحصول وبعيد المنال لأسباب عديدة .
والا ما علاقة رئيس الجمهورية بالحصاد و ( العمالة – البناء – ) والعزف على العود و رقص ( الجوبي ) وركوب الخيل والسباحة عاريا في النهر والطبخ – كما كان يفعل السياسي الفاشل صدام – … وغيرها من الوظائف والممارسات العادية والاعتيادية ؛ بهذه الامور ؟!
وما علاقتها بإدارة الدولة وشؤون السياسة و وظيفة رأس الهرم الحكومي و زعيم الامة ؟!
والعجيب في الامر ان الفاشل الهجين صدام عندما تم تعييره من قبل العراقيين الوطنيين فيما يخص هروبه من ارض المعركة واختباه في الحفرة كالجرذ ؛ رد قائلا : بأن المجرم الهجين طه الجزراوي طلب منه ترك ارض المعركة والاختفاء وعدم مواجهة الاعداء ؛ لأنه قائد امة , وهذا العمل يعد هروبا من المسؤولية ..!!
محمد المعموري, [29/08/2023 10:25 م]
مواجهة الاعداء كالأبطال والتضحية من اجل تراب الوطن يعد هروبا من المسؤولية العامة والوظيفة السياسية والزعامة الوطنية … ؛ والطبخ والرقص يعتبر من صميم العمل الثوري والانجاز السياسي ؟!
وقد زاد ( سياسيو الصدفة ) في الطنبور نغمة , فراح البعض منهم يتكلم عن شؤونه الخاصة ويشكو للشعب قلة راتبه , والاخر يشرح لنا كيف ان طفله المدلل استهلك الرصيد كله من جهاز الموبايل , والاخر وظيفته و هوايته المفضلة الظهور في وسائل الاعلام المختلفة لسرد القصص والنكت والذكريات ومجاملة ( العركجي والعربنجي ) , والبعض راح يجري لقاءات صحفية مع ازلام النظام البائد , واخرون منهم مبتسمون – دوما – على الرغم من الظروف المأساوية والاحداث الدامية التي مرت بها الامة العراقية حتى ان بعضهم التقى عوائل الشهداء والضحايا وهم يقهقهون غير مبالين بمشاعر العراقيين , والعجيب ان اغلبهم عندما يطل علينا من وسائل الاعلام بعد حدوث العمليات الارهابية او الازمات الاقتصادية والامنية والسياسية يبدأ بوصف الاحداث التي يعرفها المواطنون العاديون بل احيانا لا يجيدون وصف الاحداث والامور … ؛ ويصرح احدهم قائلا : ( ان امي تقول لي انت حلو عندما تلبس البنطلون ) … وما اشبه اليوم بالبارحة ؛ بالأمس ادعى المعتوه عدي صدام ان بطاقته التموينية ضاعت وهو محتار في كيفية حصوله على النخالة والفاصولياء , لتأتي اخته المجرمة رغد وتكمل فصول المسرحية وتتدعي ان اخاه كان يصوم يومين في الاسبوع , ومن المؤكد كان يفطر ب ( لحم الخنزير وبطل الويسكي ) … وقد قيل في الامثال : (( أكثر الناس كذباً من يَكثِرُ الكلام عن نفسه )) هل يعتقد هؤلاء العملاء والبلهاء والمهرجون انهم صحفيون او كتاب سيرة او مؤلفو روايات و شعراء او ابطال قصص رومانسية واجتماعية … الخ ؛ ما علاقة هذا ( الخرط ) بوظيفتهم العامة وعملهم السياسي ؟!
الا يعلم هؤلاء ان الكلمات دون أفكار قلما ترتفع إلى فوق وتبقى مجرد كلام تافه سطحي لا يثير الانتباه , ومن قال لهم بأن السياسة تعني الثرثرة و ( اللغوة ) والظهور في وسائل الاعلام بمناسبة ومن غيرها , اكثر من الممثلين والفنانين والاعلاميين انفسهم ؟!
وقد وضح لنا المفكر الأمريكي الشهير رينهولد نايبهور – جوهر السياسة – حين قال : ((إن علم السياسة يحتاج إلى المنطق، والمنطق مهارة ضيقة يتمتع بها عدد قليل من الناس، فغالبية الناس منساقون وراء عواطفهم وبالتالي فإن أغلب الأحكام والآراء التي يطلقونها في المواضيع السياسية تستند إلى العاطفة أكثر من استنادها إلى الحقائق المنطقية ))
وهنا لابد من الإشارة إلى أن الجهل السياسي لا يتعلق فقط بالمنطق، رغم أنه جزء مهم من القدرة على بناء أحكام سياسية سليمة ويفتقده الكثير من الناس، ولكنه يرتبط أيضاً بالمعرفة التي يتم على أساسها بناء هذه الأحكام، والمقصود بالمعرفة هنا ليس المعرفة السياسية التي تحتاج دراسة فحسب ، بل المعرفة في الأحداث السياسية التي تحصل ، فبناء وجهة النظر السياسية ينطلق بالأساس من المعلومات والمعرفة التي يمتلكها السياسي حول الموضوع.(2)
ومما تقدم نعرف ان السياسي المحنك والناجح هو : الشخص الذي يفهم ويعي ويدرك مجريات الأمور أو التنبؤ بها , ولديه القدرة على ادارة الملفات بما يحقق الامن والامان والتطور والازدهار للوطن والمواطن ويحميهما من شر الاعداء والمتربصين ؛ وكل هذه الماسي والنكبات والازمات التي مرت بالأمة العراقية انما حدثت بسبب عدم اتقان القادة والمسؤولين فنّ السياسة بشكل فعّال ؛ فهم كانوا ولا زالوا كما قال المثل الشعبي ( يخوط بصف الاستكان ؛ او كما قال المثل الاخر : اجه يكحلها عماها ) وان احسنا الظن بهم فهم عملاء اذكياء ليس الا ؛ وظيفتهم تدمير العراق والامة العراقية ؛ ويتراءى احيانا للمراقب ان مشهد الجهل السياسي والساسة في العراق اصبح اشبه بتصريحات الدجالين من ( فتاحي الفال والسحرة والمنجمين والكشافة ) فهذا يقول الفرج ب ( شعبان واخر يقول : رمضان ) , وذاك يقول : لا يستقر العراق الا في عام 2040 , واخر يجزم ان التغيير عام 2024 … وهكذا دواليك , حتى اصبحت تصريحاتهم مادة للنكت الاجتماعية والتندر وموضوع للسخرية والاستهزاء ؛ والا بماذا تفسر قول احد الساسة عندما بلغه خبر وفاة احدهم فصرح قائلا : ( اتمنى له التوفيق ) او ذاك الذي خطب بجماهير مدينة الشعلة قائلا : (( يا ابناء شعلة الصدرين وصدر الشعلتين ) .