نخبوي فاعل .. نخبوي مسؤول !!
كتب / سعيد البدري
اكثر ما يعاب على النخبوي هو غروره و ترفعه عن قضايا مجتمعه ،ويئسه من اصلاح اوضاعه وحل الاشكاليات التي تواجه هذا المجتمع ، هذا الرأي فيه من الدقة الكثير لان على النخبوي المثقف أو العالم أو المفكر أو الباحث ،ان يمارس تأثيره لاخراج المجتمع من تخلفه و أزماته، فانزوائه وتغييبه لدوره لا يحل الاشكاليات بل يعمقها ،ويحدث شرخا كبيرا يقود الاوضاع نحو الاسوأ،بدل حلحلتها والتخفيف من اثارها وانعكاساتها والحد من اضرارها على اقل الاحتمالات ، في اطار ممارسة واعية مكتملة الجوانب لايشوبها النقد او يكتنفها التقصير .
السؤال الاهم والابرز الذي ينبغي طرحه والتعاطي معه بجدية ،لا يرتبط بتعريف شامل للنخبوي الذي يهتم بمستقبل الوطن، ويستشعر قضاياه على تنوعها (السياسية ،الاقتصادية ، الاجتماعية ) لان التوصيف ليس بتلك الاهمية ،ولا حتى الخوض بمواصفات معينة للنخبوي ،يضعها المهتمين بهذه الجوانب في الدراسات والمنهجيات ،والتي يمكن اختصارها بالقلة ، المكانة الاجتماعية المرموقة ،و امتلاك التأثير بمصادر القوة السياسية، والقدرة على صنع القرار، والقدرة على التوجيه ايضا ،وصولا للاستقلالية ،فالاهم من ذلك كله على الاطلاق ،هو طبيعة الدور الذي ينبغي ان يؤديه النخبوي ،وماهي التزاماته وحدود هذا الالتزام ، والى اي مدى من مدياته ، والوظيفة المفترضة الواجب تأديتها ، والتي تكون عادة متناغمة مع مهام متشعبة ،لا يمكن حصرها بتنمية الوعي والمشاركة في صنع القرار فقط ، وان كانت( مشروطة ) بتوافر عناصر هذه المشاركة وفاعليتها على اعلى المستويات ، لمنع طغيان الفرديات ونموها في المجتمعات ،التي تنتمي للديمقراطيات على وجه التحديد والتخصيص.
و لعل الراجح ان وظيفة النخبويين لا تتعلق بالمسار الذي يحدد مرحليا ،ولمدة زمنية معلومة وقضية منفردة ،كأنخراطهم بالعمل السياسي وما يرتبط بهذا الشأن ، كما لايرتبط باصطفافهم مع المعارضة أو الموالاة لحكومة او نظام ،لأن منطلقات اعتبار النخبوي نخبويا ترتبط بقدرته على الفعل ،لا بكونه منتميا لفئة مميزة ،فنجاحه ووجوده رهن بما له من حضور مادي ، ورمزية وجدانية لممارسة حد أدنى معقول من التأثير في المجتمع الذي ينتمي إليه ،دون أن يفقد مبررات وجوده واستقلالية قراره ربما ،أو ان يكرس وجوده وادواره لشيء اخر يتقاطع مع هذه الوظيفة ،نعم ان وظيفة النخبوي تقييد السلطة وترشيد سلوكها ( لا معارضتها ) لأجل المعارضة فقط ، وهناك فريق بين التقييد واعتماد ضوابط معينة ،وبين الانفلات وعدم البصيرة فغالبا ما يعتقد من لا يفهمون هذه الوظيفة بدقة ،انها ترتبط فقط بقيادة وتوجيه الرأي العام، كمقدمة لصناعة القرار لا صياغته بشكل مباشر، لأنه يختص بطبقة متصارعة متشابكة المصالح، وهو تصور جزئي وغير دقيق ، لأن ما يمثله رأي النخبة يعتبر ركنا اساسيا من تصورات وفعل عموم الجمهور ،فهم جزء منه لكن الجزء الاكثر فاعلية وقدرة ،بما يمتلكون من مقومات ومعرفة دقيقة ، برؤية شاملة ناضجة تصلح لمعالجة الاوضاع ،وحلحلة ما يواجه المجتمع وما يعيشه كيان الدولة من ازمات.
وكما هو معلوم فأن هذا الدور لا يقتصر فقط على بيروقراطية الدولة ورجال السلطة في مركز اصدار وانفاذ القرار ،بل يمتد لكل المفاصل المرتبطة بحياة الناس، بدءا من المجالس البلدية والمحافظات و النواب والمستشارين ، وينسحب الامر لبقية الفعاليات الحزبية و المجتمع المدني ،وكل وسط فاعل نقابي او جماهيري وحتى مهني يرتبط بقضايا الشأن العام، بمعنى اكثر شمولا ان جزئية علاقة الدولة بهذه النخبة ليست علاقة تابع ومتبوع ،بل هي علاقة مع قطب مؤثر يسهم بتوجيه الرأي العام بالاتجاه الصحيح باعتباره معبرا عن الشعب ، وما يمكن استنتاجه بهذا الخصوص ،يشير الى ان وظيفة النخبة هي تحديد البوصلة ورسم المسار ، بناءا على ما تقدم من اتساع الوظيفة ،وعدم محدودية الدور الذي يجب ان تؤديه بكل مسؤولية.
اذن نحن امام ادوار متنوعة ترتبط جميعها بالفاعلية وهي ادوار ستراتيجية بالغة الأهمية، تبدأ بتعميم المعارف وتنميتها في الاوساط الاجتماعية ، وتنتهي بحراسة قيم المجتمع الذي نشكل جزءا من وعيه وممارساته ،كما ان اي خلل يتهدده ويضعف الروابط التي تجمع ابنائه وتضرب وجوده نتحملها جميعا ،دون تسويف وتنصل وركون لعدم القدرة و سعي غير واقعي لتبرير الضعف والتراجع ،سيما مع التحديات القائمة وما يجب ان ننتبه اليه بصددها ،بما في ذلك معالجة اوجه القصور وموجبات التخبط وعدم وضوح الرؤية ،لدى فريق او مجاميع تمثل جزءا من مجتمعنا ،وهو ما يوجب مراجعة دقيقة ومعالجة اكثر دقة لادوارنا المفترضة ومدى فاعليتنا ، فالعمل بهذه المراجعات الصريحة لا يعني تنازلا عن ثابت اصيل ،انما هو محاولة لفهم اسباب التردي ،وتقييم الاداء وهو سلوك مسؤول يجب تعزيز ادواته، لأجل انفاذ المعالجات ،ولفسح المجال امام الحلول المتفقة مع تلك القيم ،ولا تعارض بين الامرين بتاتا ،في اعتماد النخبوي واختياره
الانتماء لثوابت امته واصالة موروثه، ورغبته في خدمة وطنه ،وبين ان يواكب العصر ومتطلباته من حداثة وتنوع ، لأنه قادر على التمييز واختيار الاسلوب الامثل،الذي يحصن المجتمع ويعزز ثقته بجدوى الاستمرار في التلقي والاستجابة ، فديمومة التفاعل ضالتنا ،وتوحيد جهدنا بوجه الاخطار المحدقة مطلب ، يجب ان نحققه بمأسسة جهدنا واعتماد الاكفاء منا لنحقق الغايات ،ولتأكيد حقيقة ما ندعو اليه ،من اعتزاز حق بالانتماء لتراب هذا الوطن و تمسك شجاع بقيم وهوية هذه الامة العظيمة المعطاء..