طريق الهند - اوربا ومعادلة الشرق الاوسط الجديد ..
كتب / سعيد البدري
في اطار الصراع الجيوسياسي المحتدم بين القوى الكبرى تتزاحم المشاريع ،ويحاول كل طرف اظهار القوة والسطوة ،مؤخرا وبالتزامن مع قمة مجموعة العشرين اعلنت اميركا والهند والمملكة العربية السعودية عن طريق تجاري يربط الشرق بالغرب ،يبدا بخط بحري من الهند حتى الاراضي الاماراتية ،ومن ثم طريق بري عبر الاراضي السعودية وصولا للاردن والاراضي الفلسطينية المحتلة ،ثم مسار بحري ينتهي عند موانئ اوربا على المتوسط.
دوافع المشروع الجديد بحسب المعطيات وتوقيت الاعلان عنه ، تشير بظاهرها لمحاولة تحجيم قدرات الصين والحد من نفوذها،ولعل هذا النفوذ هو ما يدفع الولايات المتحدة وأوروبا إلى التحالف في مواجهة هذه التحركات ،كما ان هناك هدف ستراتيجي يتمثل باضعاف مجموعة بريكس من خلال استقطاب الهند التي لاترغب ان تنفرد الصين بزعامة اسيا كقطب كبير منافس لها ، وهو ما دفعها و جعلها تنحاز لأميركا وتعمل معها لتعزيز قوتها وشراكتها الاقتصادية.
على الارض تشير التوقعات لوجود شكوك في قدرة هذا المشروع ، على منافسة مشروع الحزام والطريق الصيني الذي عملت عليه بكين لسنوات عديدة،كما ان تأثيرات المشروع الأميركي ستكون محدودة خلال المراحل الاولى لتنفيذه على الاقل ،ما يعزز هذا التصور هو فقدان دول المنطقة الثقة بأميركا ، وفاعلية المشاريع الصينية وحجم الامتيازات التي تمنحها للبلدان المتعاونة معها في اطار مبادرتها بتوطين الصناعات ،و تنفيذ مشاريع الخدمات سيما في بلدان افريقيا التي تجد ان الصين تمثل طوق نجاة لها ،في تجاوز تعثراتها ومشاكلها الاقتصادية المعقدة.
بواطن المشروع تكشف عن تأثير اللوبي الصهيوني ،والذي يبدو واضحا جدا ،كما تتحدث اوساط مطلعة عن ان رغبة بن سلمان في استحصال التأييد لاعلانه ملكا للسعودية هو احتمال شبه مؤكد ،فوسط حالة من الغموض تكتنف مصير الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ،يتصرف ولي العهد وكأنه الملك ولعل وصوله للعرش ليس الا مسألة وقت ،حيث يرى المتابعون ان تحركاته وغض اميركا اميركا الطرف عن تصفيته للاجنحة المعارضة داخل الاسرة الحاكمة تمت بمباركة اميركية وهي مقدمات تطبيعية ،وان ما حققه من مرونة في تعامله مع المطالب الامريكية مقبول ،ويبدو ان صفقة التطبيع الاقتصادي الحذرة عبر هذا المشروع هي من ستحسم الامر لصالحه كحاكم مدعوم من الغرب ، وهو عين ما تشير اليه تحليلات المراقبين وقراءاتهم للمشهد السعودي وتطوراته ، والتي اشارت ايضا الى وجود رغبة سعودية بان لا تشير مخططات المشروع الجديد لعبور مباشر من الاراضي السعودية باتجاه الاراضي الفلسطينية ،وذلك يفسر وجود الاردن على الخريطة ، لتجنيب بن سلمان الحرج ، و ان ما يفعله الان لن يكون سوى البداية ومن ثم تتوالى خطوات تصفية القضية الفلسطينية ، والتطبيع الكامل بين السعودية والكيان الصهيوني ،وسط ترحيب معلن وحار بالمشروع مع وصفه اياه بالمشروع التأريخي .
في ذات المشهد تبدو مصر الغارقة بالديون والمشكلات الخاسر الاكبر ،فمحاولاتها المساومة والتلويح بعلاقات متطورة مع روسيا لم تكن مجدية ،لان السيسي الذي جاء للحكم بصفقة امريكية سعودية واقصى الاخوان المسلمين جرى تهميشه فعليا وتمت معاملته باستهانة ،وباتت قناة السويس بما يمثله المشروع من تهديد ،سيقود لتراجع ايرادتها حديث كل المصريين ، لان تحويل جزء من التجارة بين الشرق والغرب عبر هذا المسار، فيه من المساس بأمن واقتصاد مصر الكثير ، ويبدو ايضا ان لاحول ولا قوة لحكومة العسكر لأنها خارج لعبة اميركا الحالية ، كما ان تركيا التي تطمح بآن تكون ممرا لاوربا وعقدة تلتقي عندها كل المشاريع تستشعر التهديد ايضا ، رغم تصريحها بأن المشروع لايشكل اي تهديد لشراكتها المحتملة مع الشرق من جهة ،ومع اوربا والغرب من جهة اخرى ، ورغم هذا التطمين الا ان الامر لايخلو من محاذير ومثل هذا التخطيط الاميركي سيقلل جدوى المشاريع الاخرى.
بالنهاية الصين هي المستهدف الاول ،وبقية بلدان الشرق الاوسط لاتملك حق ابداء التحفظ ،حتى وهي تراقب بحذر ما ستكشف عنه الايام المقبلة ،لكن المؤكد ان ثنائية اميركا- الكيان الصهيوني هي احد الفواعل الرئيسية في اطلاق المشروع ،وان تصفية القضية الفلسطينية عبر بوابة الاحلاف الاقتصادية، ليست بفرضية بعيدة ،فاميركا تريد ولادة شرق اوسط جديد تابع ومغلق عليها بالكامل لتحقيق اهدافها بتعقيد مهمة الصينيين وقطع الطريق امامهم ،وقد نشهد في اتون هذا الصراع ولادة المزيد من المشاريع و التي ستفضي لمجموعة تغييرات ،لا احد يمكنه التنبوء بمدياتها ،ولا الى اين ستقود و لا كيف ستنتهي !!