الاعلام واشكالية السياسة الخارجية
كتب / حليمة الساعدي ||
لا شك في ان الاعلام العراقي يمتلك خبرة تراكمية في مجال طبيعة السياسة الخارجية وتقلباتها و تشخيص الايجابيات والسلبيات التي تكتنف سياسية العراق الخارجية، لكننا اليوم ازاء منظومة اعلامية متعددة الامزجة والاهواء، ومختلفة الطبائع والاجواء، وغير مستقرة.
فهي تتحرك بحسب تقلبات الاحداث وبحسب ما تحدده بوصلة المصالح، فنحن اليوم لا نملك مؤسسة اعلامية مستقلة، وانما توجد مجموعة مؤسسات مؤدلجة تقود البلد نحو سياسات داخلية و خارجية متعددة الوجهات تتحرك بحسب ماتمليه عليها مصلحة الجهة التي تحركها وتمولها . كأن تكون هذه الماكنة الاعلامية حزبية او حكومية او منظومة اقتصادية.
وهذه المؤسسات احياناً تتضارب فيما بينها وتولد صراعات داخلية، على سبيل المثال لدينا في العراق اكثر من(٢٠٤) حزب مجاز بحسب آخر احصائية اجريت عام ٢٠٢٠ والعدد في تزايد، ومعظم هذه الاحزاب ان لم يكن جميعها مدعومة من الخارج فبعضها تحركه اجندة امريكية ومن تحالف معها من دول اوربا واسرائيل واخرى تأتمر بأوامر السعودية ودول الخليج وبعضها تعتبر ايران عمقها العقدي والمذهبي واخرى تعتبر تركيا مرجعيتها الروحية، وهذا يوضح لنا طبيعة السياسة الخارجية للبلد وبما ان معظم الاعلام العراقي اعلام حزبي مؤدلج فان هذه المؤسسات الاعلامية تكون عبارة عن ابواق ذات نغمات تتفق ومزاج الجهة التي تمولها.
وبقي لنا الاعلام الرسمي الذي ينطبق عليه المثل الشعبي (ياهو اليتزوج امه يصير عمه) يعني هو اعلام مُنقاد ومسيّر ودائما ما يطبل للحكومة، فهو بالنتيجة اعلام اسير وليس حر.
فهو دائما ما يكون صوتا حكومياً بالمعنى الحرفي، لا يتطرق للقضايا التي تمس معانات المواطنين ودائما ما يذهب باتجاه تزويق المواقف للحكومة. بالنتيجة هو اعلام حكومي وليس اعلام جماهيري شعبي. ومن المصاديق الواضحة لهذا الرأي هي قضية اتفاقية العراق مع الصين وطريق التنمية والقناة الجافة كيف انها تحولت من طموح شعب راغب بتفعيل ارتباط العراق مع بقية دول شنكهاي وضمه لبقية دول طريق الحرير، الى وجهة تتناغم مع المزاج الامريكي. وهناك من اعتبر هذا الموقف الحكومي بالنكوص و الالتفاف على الاتفاقية والتشويش عليها بتفعيل مشروع طريق القناة الجافة والربط السككي الذي تبرقع بمصطلحات وتسميات مشوشة مثل (طريق التنمية) لان امريكا اعادة هيكلة هذا المشروع و اعادت تفصيله بمقاسات تتلاىم مع اجندتها الرامية لقطع الطريق امام الصين وبتر اذرعها وايديها في العراق، فماكان موقف الاعلام الرسمي الا ان ساند وايد ودعم الحكومة من دون اي بحث.
هذا مثال على ان قنوات الاعلامي الرسمي تطبل للحكومة مع ان ميزانيتها ورواتب موظفيها من الميزانية الاتحادية للدولة العراقية. يعني يفترض انها تكون مؤسسات وطنية تابعة للدولة وليس للحكومة تشخّص مواطن الخلل والتقصير لدى الحكومة تجاه المواطن.
من جهة اخرى على الحكومة ان تحد من فوضى الحريات وتحددها بمحددات مشروعة ومعمول بها دوليا فحريتك تنتهي عند خط تتعارض فيه مع المصلحة العامة لكننا نجدها غير قادرة على تقنين حريات الاعلام الفئوي اي الاعلام المؤدلج، وهذا بحد ذاته احد اسباب حدوث شرخ كبير في سياسة العراق الخارجية ورغبة الشعب فللاحزاب تاثير كبير على سياسة العراق الخارجية، لانها سياسة متعددة القطبية ولا ننسى دور المحاصصة في هذا الاتجاه لانها اتاحة المجال لوزير الخارجية ان ينسق الاتفاقيات والمعاهدات ويصوغ سياسة البلد بحسب مزاج الحزب او الكتلة التي يمثلها ولذا نجد ان للحزبين الكردستاني والديمقراطي حظور واضح وتهميش كبير لدور حكومة المركز في المحافل الدولية بل وصل الحد الى ان العلم الكردستاني يرفع على مباني السفارات مع تعمد واصرار بعدم رفع علم الدولة العراقية، وطبعا الحكومات السابقة على علم بهذا السلوك لكنها تقف عاجزة امام تأثير الاحزاب فالمحاصصة شرعنت هذا السلوك المشوه ليس في الخارجية فحسب بل في جميع الوزارات.
ان هذا التخبط في سلوكيات الاحزاب المؤثرة على الحكومات خلق ضعفا واضحا في سياسة العراق الخارجية وتعاطيه مع دول الجوار وأضعفه اقليميا ودولياً.
ولابد من معالجات فورية لان العالم يتجه نحو ولادة سياسة دولية ونظام جديدة ولم تعد سياسة الهيمنة ونظام القطب الواحد مؤثرة عالميا مع ولادة اقطاب قوية جديدة مثل روسيا والصين وكوريا الجنوبية والهند وباكستان وايران ودول اخرى بل ان العالم مقبل على تغيير جيوسياسي وتحالفات جديدة ستعيد رسم خارطة العالم.
لكن العراق يقف موقف المتفرج بل انه لايزال مقتنع بان امريكا هي شرطي العالم تاركاً زمام امور سياسته الداخلية والخارجية الرسمية بيد سفيرة الولايات المتحدة تعبث فيها كيفما تشاء الادارة الامريكية..
الحكومة العراقية ليس لديها تحفّظ وتعمل بغير صندوق اسود لاسرار الدولة وذلك بسبب كثرة الاحزاب الداخلة في تشكيلتها وهذه الاخيرة احيانا تكون لديها ازدواجية في التعاطي ففي حين انها مؤيدة وداعمة لسياسة الحكومة الخارجية بأعتباها جزء منها لكنها في ذات الوقت تنفذ اجندات خارجية للدول المتحالفة معها او الداعمه لها.
ان تعدد المؤسسات الاعلامية واستقلاليتها عن الحكومة وتبعيتها للاحزاب او لدول ذات مصالح واجندات جعل الاعلام العراقي اعلام متصارع بعضه مع بعض يتراشق الاتهامات والفضائح وبمعنى اخر اصبح اعلام تسقيط لا بناء وترميم ولا يمتلك وحدة هدف وليس لديه سياسة خارجية واحدة وهذا جعل المواطن العراقي يفقد الثقة بمصداقيتهِ، واصبح لديه عزوف واضح فلم يعد مهتما لا ببرامج سياسية ولا بصحف رسمية او غير رسمية ولا بمجلات او حتى قنوات، وراح يتابع مشاهير التكتوك واليوتيوب وهؤلاء اغلبهم اصحاب محتوى هابط وطبعا هذا الامر غاية في الخطورة فنحن نفقد شيئا فشيئأ الجمهور المثقف الواعي. والسبب هو هذه الفوضى الاعلامية في البلاد..