بين العلاس والدساس والواشي والما عنده ساس !!
كتب / سعيد البدري
يعرف ( العلاس ) وهو تعبير دارج شائع التداول في العراق ، المتفق عليه في توصيفه بأنه شخصية جبانة تخشى مواجهة الخصوم بشكل مباشر وواضح ،كما يغلب على سلوك هذا العلاس الكذب و عدم الثقة واختلاق البطولات الوهمية والمواقف البطولية الزائفة ،بالنتيجة هو شخصية سلبية تعتاش على الاختباء بالظل وتعمل على القفز وحرق المراحل بهدف تحقيق مأرب دنيئة بطبيعتها والوصول بأقصر الطرق وقد يصل الحال لتصفية الخصوم عبر الوشاية والنميمة والغدر ،وقد يكون سعيهم بدوافع الغيرة والحسد بمنع الاكفاء من ممارسة ادوارهم المستحقة بطرق ملتوية تتسم بزييف الوقائع واحداث الضرر هو الاكثر شيوعا ، وما اكثر هولاء ( العلاسين ) على اختلاف مستوياتهم وتأثيرهم ،فمع انتشار الجماعات الايدلوجية والتجمعات وانتشار المؤسسات وتعددها باتت ( العلاسة ) مهنة ،يمارسها البعض لتملق المسؤول والتقرب اليه ،بأفتراض وجود اطراف او شخوص معادين موهومين غالبا يطلق عليهم اعداء النجاح.
في مرحلة ما بعد 2003 تحول شخص يدعى ( مثنى ) وهو مفوض أمن من اجهزة النظام القمعي هارب من محافظة جنوبية الى مبشر بالديمقراطية ( علاسة ديمقراطية) ،ففي سباق التنافس وحتى الاعتياش وسباقات التقرب للشخصية السياسية س او ص ، يخطط هولاء بأحكام ويتنقلون بين هذه الجهات السياسية ،ولعلهم اكثر الناس مهارة في تقمص الادوار المفترضة ،التي توصلهم لمصادر القرار والتي تستوجب التملق والتزلف ،وامثال مثنى لا يمكن اقصائهم بسهولة فهم محصنون وتحميهم جهات نافذة ،استطاعوا اقناعها بخدماتهم الجليلة التي لا يقدر على تأديتها غيرهم .
في المقهى تكثر الاحاديث وهو المكان الذي يخرجنا من اجواء الرسمية لنخوض بالخصوصيات ،ففي المقاهي واحاديثها ونقاشاتها المستعرة ،نجد الفرص السانحة للتعبير عن ارائنا الخاصة بحرية اكبر ،سألت صديقا عن رأيه في سلوكيات العلاس ،فأجابني بشيء من اليأس ووضعني في مقارنة مع احد العلاسين ،يبدو الوضع صادما كون المقارنة ظالمة ،فالسيد العلاس المحترم الذي يعرفه و حدثني عنه، يمتلك دارا فخمة وسيارة فارهة ،كماريمتلك المشاريع والاموال وعلاقات واسعة ،وكل الابواب بما فيها ابواب الرئاسات مشرعة ويستطيع تجاوزها بسهولة ، لا اخفي ان هذه المقارنة جعلتني استشعر الخيبة ، و قد بادرني بمصطلح جديد عن شخص اخطر من العلاس اسماه ( الدساس) .
سألت صاحبي عن صفة من يقصد ، فأخذني برحلة طويلة بين اللغة والاصطلاح معرفا اياه بأنه لغة ،عبارة عن ( حيَّةٌ قصيرةٌ حمراء محدّدةُ الطَّرفين لا يُدْرى أيهما رأْسها، تندَسُّ تحت التُّراب فلا تظهر فى الشمس ) ،كما عرج على المثل القائل بأن العِرْقُ دسَّاسٌ ،وتوغلنا في المعاني وعرفنا معنى الدسيسة ايضا ، ثم خلصنا لمعنى لغوي محدد عرف ( الدَّسَّاسُ) ،بأنه الشخص الاقبح مرتبة من النَّمام ،كان صديقي يميل لتبني تعريف شعبي يقول ،ان هذا الدساس هو شخصية ملتوية ،وعرفا هو من يحرض البعض على البعض الاخر ،فيشتد الخلاف ظاهرا وتوغر القلوب والنفوس فيتدخل هو ،ليعلن نفسه حكما ويحل المشكلات ،بعرفنا الشعبي هو شخص يدعي ( الخيورية ) لكنه في الحقيقة اشد الناس خبثا ونفاقا.
الحق اني اعجبت بتوصيفه وشرحه ،وحين نخوص في السياسة والمناصب والمكاسب ، يتقن هولاء ما لانتقن ،فهم يسوقون فنا مختلفا لا يمكن لأفراد المجتمع العاديين استخدامه ،ويمكن اعتبارهم اعضاء فاعلين بمنطومة تسمى (منظومة الوشاية) ، والواشي عادة هو من يقوم بتزيين الكلام ،ويحسن النقل الموحي بغير مقصود صاحب الكلام ،فالواشي هو نمام لكنه متحور ومتطور ،لانه يوشي الكلام اي يضيف اليه الوشي وهو النقوش والزخارف، نعم في السياسة تتحول الوشاية الى منظومة متكاملة ولها قواعد عمل، وقد سميت منظومة لانها تؤدي الى اتخاذ قرارات بعضها خطير، فمنظومة الوشاية تطوق كبار المسؤولين ،وتصادر ارادتهم وتنهي قدرتهم على اتخاذ القرار الصائب، وقد تكون هي صاحبة القرار من وراء الكواليس، وفي زمن الاحتلال وما انتج وفي ظل الاحزاب العائلية تزدهر منظومات الوشاية ويتفاقم دورها ،والامر يحتاج الى بحث آخر متسع ومكتمل للبيان والتبيان ،واجمالا حين اقارن الواقع وانظر للسياسة وما يحدث فيها من وقائع ،وما اظهرت من حواشي وبطانات فاسدة منافقة، لا اجد غير العلاسين والدساسين والواشين من اشباه الرجال ممن لا يمتلكون المؤهلات ،فنحن نعيش زمنا لا يحترم فيه اهل الحقيقة بليجري ابعادهم واقصائهم ،ليستمر المشهد ويكشف عن هذا الواقع ،الذي يصنعه العلاس ويتقدمه الدساس و يحكم فيه ( الما عنده ساس) ..