سلاح إسرائيل النووي يُهدّد الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.. فلماذا الصّمت العربيّ المُطبق؟
كتب / الدكتور رجب السقيري
ترسانة الأسلحة النووية الإسرائيلية التي تقدر بما يزيد عن 200 رأس نووي ، إضافة إلى سبل توصيلها بالطائرات الحربية المتطورة والصواريخ البالستية التي يزيد مداها عن 1500 كم قد أصبحت أمراً واقعاً لا سبيل لإنكاره . ورغم السرية المطلقة للسياسة النووية التي اتبعتها إسرائيل خلال السنوات الأولى من إقامة برنامجها النووي ، إلا أنها بعد إنتاج أول قنبلة نووية لها في نهاية ستينات القرن الماضي قد أخذت تتبع سياسةً غامضة تقوم على ثلاثة أعمدة أولها عدم تأكيد وعدم نفي امتلاكها للأسلحة النووية (عدم التأكيد محافظةً على سرية برنامجها ، وعدم النفي كي تحقق هدف الردع) ، وثانيها عدم السماح لأية دولة في المنطقة بامتلاك برنامج قد يؤدي إلى إنتاج سلاح نووي ، أما الثالث فهو المحافظة على تفوقها النوعي على دول المنطقة في الأسلحة التقليدية ، لا سيما في سلاح الطيران الذي يمنحها ذراعاً طويلةً تصل إلى أية دولة عربية أو شرق أوسطية قد تسول لها نفسها بالحصول على سلاح نووي أو قد تشكل خطراً بأي شكل على أمن الدولة العبرية . وهنا يبرز السؤال الأهم في هذا المقال وهو لماذا نشهد صمتا عربياً مطبقاً ، لا سيما في العقدين الأخيرين ، حول ما يشكله السلاح النووي الإسرائيلي من مخاطر على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط ؟ ولماذا ترفض إسرائيل حصول المملكة العربية السعودية على برنامج نووي للأغراض السلمية مع أنها ، أي إسرائيل ، تسعى بلا كلل وبمساعدة من حليفتها واشنطن إلى تطبيع العلاقات مع الرياض ؟
التفكير بالسلاح النووي بدأ مبكراً
بدأت قصة السلاح النووي الإسرائيلي مع البدايات الأولى لإقامة دولة إسرائيل عام 1948 عندما تم تأسيس الجيش الإسرائيلي من مليشيات المنظمات الصهيونية وعلى رأسها الهاغاناه ولاحقاً البالماخ وليهي وأرغون وغيرها ، حيث تم ، بعد تأسيس الدولة ، تكليف فرقة صغيرة من الجيش الإسرائيلي للبحث عن اليورانيوم في صحراء النقب الفلسطينية ، وفي خمسينات القرن الماضي بدأت إسرائيل تبحث عن دولة تساعدها في بناء مفاعلها النووي في قرية ديمونا في النقب فوجدت ضالتها عندما وافقت فرنسا على تزويدها بمفاعل نووي عام 1957، وكان لشمعون بيريز ،الذي عرف بمهندس المشروع النووي الإسرائيلي ، الدور الأكبر في بناء مفاعل ديمونا الذي بدأ إنتاجه فعلياً عام 1963 ، وقد كشف المؤرخ الإسرائيلي ميخائيل بارزوهار في كتاب نشر عام 2007 عن حياة بيريز أن إسرائيل وفرنسا قد وقعتا في خمسينات القرن الماضي اتفاقيةً للتعاون النووي تهدف إلى إنتاج قنبلة نووية وكان ذلك قبل أن تقوم فرنسا نفسها بإنتاج قنبلتها النووية الأولى عام 1960.
سياسة إسرائيل النووية
لقد أدارت إسرائيل عبر العقود الماضية برنامجها النووي كما أشرنا أعلاه بسرية مطلقة وتامة ولم تسمح حتى لأقرب حلفائها ، بما فيهم الولايات المتحدة ، بالاطلاع على تفاصيل البرنامج أو الهدف من وجوده ، إلى أن تمكنت في أواخر ستينات القرن الماضي من انتاج أول سلاح نووي إسرائيلي ، وعندما علمت الولايات المتحدة بذلك طلبت من تل أبيب التكتم على الأمر وعدم الإعلان عنه تجنباً لإحراج واشنطن التي كانت في خضم إقامة نظام عالمي لمنع الانتشار النووي ونجحت عام 1968 بالتوصل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية NPT ، وفُتحت المعاهدة للتوقيع في العام نفسه ثم دخلت حيز التنفيذ في شهر آذار/مارس عام 1970.
رفضت إسرائيل وما زالت ترفض الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار رغم أن المعاهدة التي عقدت لمدة 25 سنة وتم تمديدها عام 1995 إلى أجلٍ غير مسمى ، قد أوشكت أن تصبح عالمية ، إذ تضم الآن في عضويتها 191 دولة من دول العالم بما فيها جميع الدول العربية ودول الشرق الأوسط ولم يبق خارج المعاهدة سوى أربع دول هي إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية . ورغم عضوية إسرائيل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA إلا أنها رفضت منذ البداية وما زالت ترفض السماح لمفتشي الوكالة بالتفتيش على منشآتها النووية .
سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط
لا شك أن العلاقات غير الودية التي سادت بين إيران والدول العربية منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وبعد حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران وما تلا ذلك لاحقاً من تطورات بما فيها حرب اليمن والتدخل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان قد جعلت الدول العربية وبالذات الخليجية تتوجس شراً من نوايا إيران لاسيما مع ترديد شعارات تصدير الثورة ومع استمرار سيطرتها على الجزر الإماراتية الثلاث وترديد شعارات حول مطامع إيران في البحرين إضافة إلى شعارات رددها بعض المسؤولين الإيرانيين حول التواجد الإيراني في أربع عواصم عربية .
ومما زاد الطين بلة أن إيران لم تنجح عبر العقود الماضية في تهدئة الخواطر وطمأنة دول الخليج العربية بأنها لا تستهدفهم وليس في نيتها الإضرار بعلاقاتها معهم ولا تتدخل في شؤونهم الداخلية ، ولما كانت إسرائيل ، تطبيقاً لسياستها في منع أية دولة في الشرق الأوسط من امتلاك برنامج نووي قد يؤدي إلى إنتاج أسلحة نووية ، وفي ظل حالة العداء المتنامية والتهديدات المتبادلة بين تل أبيب وطهران ، فقد سارعت إسرائيل إلى استغلال هذه الفرصة الذهبية لتقنع دول الخليج العربية بأنها قادرة على حمايتهم من الخطر الإيراني المحدق بهم ، وأن الطرفين الإسرائيلي والعربي الخليجي يواجهان عدواً واحداً هو إيران . حتى بعد أن استبشر العرب والعالم خيراً بعودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية ، كبرى الدول الخليجية ، وإيران ، استمرت إسرائيل تساعدها في ذلك الولايات المتحدة في محاولتها المستميتة لعقد اتفاقية سلام مع الرياض، ولكن الأخيرة لها شروطها التي أعلنت دوماً أنها لن تحيد عنها وأهم هذه الشروط حل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ، وتزويد المملكة بمفاعل نووي أمريكي للأغراض السلمية إضافة إلى تزويدها بأسلحة أمريكية متطورة .
إسرائيل تريد تطبيعاً مجانياً
وحيث أن حكومة نتنياهو التي يصنفها أكبر حلفاء إسرائيل بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية تريد عقد سلام مجاني دون أن تضطر لتقديم “تنازلات” لا على صعيد القضية الفلسطينية ولا على صعيد البرنامج النووي السعودي السلمي ، ولا حتى على صعيد تزويد المملكة بأسلحة متطورة قد تخل ، حسب رأي تل أبيب ، بالتفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة . أي منطقٍ هذا وأية عجرفة وعنجهية ، بل وأي استخفاف بعقول العرب والعالم ؟ وثالثة الأثافي في هذه القصة أن إسرائيل التي تدعي عزمها على حماية السعودية ودول الخليج من “الشر الإيراني المستطير” والمتمثل في البرنامج النووي الإيراني الذي ما فتئت إسرائيل منذ عقدين من الزمان تحذر العرب والعالم منه ، ثالثة الأثافي أنها ، أي إسرائيل ، هي التي خلقت سباق التسلح النووي المزعوم في المنطقة . إذ لو تخلت تل أبيب عن أسلحتها النووية ، كما فعلت جنوب أفريقيا بعد تفكك النظام العنصري ، وانضمت بحسن نية إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية NPT ووضعت منشآتها النووية تحت ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، لو فعلت ذلك لمنعت بحق أي سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط ، بل إن القرار الذي اتخذه “مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة عدم الانتشار النووي” عام 1995 بإنشاء منطقة خالية في الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل ما زالت إسرائيل تعرقل تنفيذه منذ ذلك الحين.
لماذا يصمت العرب
بقي أن أقول أن توجيه اللوم إلى إسرائيل في رفض حصول السعودية على برنامج نووي سلمي خشية أن يؤدي ذلك إلى سباق تسلح إقليمي أمر يجب على الدول العربية جميعاً تبنيه حتى لو قررت السعودية إغلاق ملف التطبيع مع إسرائيل واستمرت في رغبتها بامتلاك برنامج نووي سلمي ، فالمملكة العربية السعودية قد انضمت إلى معاهدة عدم الانتشار النووي منذ عام 1968 كما أعلنت عن استعدادها لقبول تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفوق ذلك أعلنت قبولها لتفتيش الولايات المتحدة على منشآتها النووية المزمع إقامتها ، إضافة إلى ذلك يجب أن تستمر أنشطة الدول العربية السياسية والدبلوماسية كما كانت حتى تسعينات القرن الماضي باتجاه رفض استمرار امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية الأمر الذي يهدد الأمن القومي العربي وأمن منطقة الشرق الأوسط ، فأي مبرر لدهاقنة سياسيي هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة للاستمرار في رفض هذا الانصياع للشرعية الدولية؟
في هذا السياق نشرت وسائل الإعلام مؤخراً أن واشنطن قد تتجاهل معارضة إسرائيل للنووي السعودي بعد أن نقل الرئيس الفرنسي ماكرون خبراً لنظيره الرئيس الأمريكي بايدن أن إيران قدمت للسعودية عرضاً سرياً مغرياً بتدريب 600 خبير نووي سعودي في إيران دون تواجد أي إيراني على أراضي المملكة. فإذا صح هذا الخبر فسيكون حافزاً لواشنطن بالمضي قدماً بالموافقة على تزويد السعودية بمفاعل نووي سلمي سواء كشرط للتطبيع أو غير ذلك.
أخيراً لابد من التنويه بما جاء مؤخراً في مقال أحد أكبر الصحفيين الأمريكيين تأييداً لإسرائيل بل والذي أطلق عليه سابقاً لقب “عراب التطبيع” وهو “توماس فريدمان” الذي نصح الرئيس جو بايدن والأمير محمد بن سلمان بعدم المضي قدماً في تطبيع المملكة العربية السعودية مع هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ، إذ قال بالحرف الواحد “أنت لا تستطيع أن تطبع العلاقات مع حكومة ليست طبيعية”