رجالُ الطُوفان في فلسطين.. نحييكم.. نشدُّ على أياديكم
كتب / د. عبد الحميد فجر سلوم
ماذا ترك المتطرفون الصهاينة في إسرائيل أمام شعب فلسطين المقاوم المقهور المظلوم؟.
لم يتركوا لهم خيارا إلّا خيار الطوفان، فكان (طُوفان القدس) ..
شدّة الظُلم والقهر، والتعنُّت والغطرسة الإسرائيلية، والاستهتار بحياة الفلسطينيين وممتلكاتهم وبيوتهم وأحيائهم وأراضيهم ومقدساتهم، وأعراضِهم وكراماتهم، ودمائهم، وإنكار أدنى حقوق لهم، كل هذه كانت لا بُدّ أخيرا أن تقود للانفجار الكبير، فكان انفجار “طوفان القدس”، من البرِّ والبحر والسماء..
نعم.. لقد سطّروا ملحمة من البطولة غير مسبوقة منذ تاريخ اغتصاب فلسطين عام 1948 وحتى اليوم، رغم كل الاختلال بتوازن القِوى، أمام التطرُّف الإسرائيلي غير المسبوق منذ اغتصاب فلسطين وحتى اليوم، مع وجود أبرز ممثلي أحزاب “الصهيونية الدينية” كما حزب (الاتحاد القومي) برئاسة يوئيل سموتريتش وزيرا للمالية، وحزب (القوة اليهودية) برئاسة إيتمار بن غفير، وزيرا للأمن القومي الإسرائيلي، والذي يدعو علنا لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم، ولا يقبل التعايش معهم..ويدعو كل يهود العالم للهجرة إلى فلسطين..
وهذا كان من أتباع الحاخام مائير كاهانا، الذي صنّفت الولايات المتحدة بذاتها حركتهُ (بالإرهابية) ..
ويضعُ على جدار منزلهِ صورة للمجرم (باروخ غولدشتاين) الذي ارتكب جريمة مجزرة المسجد الإبراهيمي، في شباط 1994، وراح ضحيتها 29 مُصلِّيا..
وحتى صحيفة “ها آرتس” الإسرائيلية ذاتها وصفت نجاح (إيتمار بن غفير) في انتخابات الكنيست عام 2022 ، بأنه (اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل)..
بينما قال عنهُ الرئيس الإسرائيلي حاييم هرتزوغ أن (العالم كلهُ يخاف منه)..
ولكن أبطال فلسطين لم يخافوا منه، وإنما دعسوا على لحيتهِ يوم (الطوفان) في السابع من تشرين أول / أوكتوبر 2023 .. هذا اليوم الذي سيبقى ناصعا في تاريخ النضال الفلسطيني..
إذا هذه الحكومة الإسرائيلية الحالية في فلسطين المحتلّة، هي بإجماع العالم، وأوّلهم واشنطن الداعمة بلا حدود لإسرائيل، هي من أشدِّ الحكومات الإسرائيلية تطرُّفا..
وحتّى سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل، رفضت دعوة كلٍّ من وزير المالية سموتريتش، ووزير الأمن الوطني، إيتمار بن غفير، لحضور الإحتفالات التي أقامتها، لشدة تطرفهما.. رغم أن الولايات المتحدة تعتبرُ أمن إسرائيل مُعادلا لأمنها، وتنظُر لإسرائيل كما تنظر لأي ولاية أمريكية.. وهذا ما خرج الرئيس بايدن ليؤكِّدهُ بعد عملية طوفان الأقصى بساعات، من قلبِ البيت الأبيض..
كل الأيادي العربية التي امتدّت لإسرائيل، وطبّعت معها، لم تُغيِّر قيد شعرَة في عقول هؤلاء المتطرفين، بل زادتهم تطرفا، لأنهم اعتبروا أن هذا التطبيع هو اعتراف العرب أنهم مهزومون، وتعبيرٌ عن حالة ضعفٍ وعجز..
وللأسف كل رهانات العرب أن هذا التطبيع سوف يُقلِّلُ من التطرف الإسرائيلي، ويُسرِّعُ في حل القضية الفلسطينية على أساس الدولتين، ويُوقف توسيع المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ويُوقفُ تهويد القدس الشرقية، ويُساعد في إعادة الجولان السوري المُحتل، كل هذه الرهانات كانت رهانات خاسرة.. وإسرائيل حصدت كل الفوائد والمكاسب والمزايا من هذا التطبيع دون أن تتنازل مثقال ذرة للعرب..
وجاء طوفان القدس ليؤكِّد أن حقوق شعب فلسطين الثابتة وغير القابلة للتصرُّف، لا يُمكن أن تُنسَى، مهما بلغ حجم التطبيع.. فليُطبِّع من يشاء، ونحنُ سنفعل ما نشاء..
وكما جاء في بيان الخارجية السورية التي يرأسها (المناضل قبل الوزير) الدكتور فيصل المقداد، الذي أعرفُ ثوريتهُ ونضالهُ منذ الجامعة في السبعينيات:
(أن هذا الإنجاز المُشرِّف الذي حققه الشعب الفلسطيني يُثبِت مرة أخرى أن الطريق الوحيد لإنجاز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني هو المقاومة بكل أشكالها، وتحدّي سلطات الإحتلال الصهيونية المتعجرفة.. ) …
وعلينا في هذه الصدد أن نوضِّح للجميع أن انتهاكات إسرائيل للأماكن المقدّسة، لا تقتصر على الأماكن الإسلامية، والمسلمين.. وإنما تشملُ أيضا الأماكن المسيحية والمسيحيين..
فاليهود المتطرفون المعروفون بـ “يهود حريديم”، (وهؤلاء لهم حكاية خاصّة فهُم يفصلون الرجال عن النساء، ويفرضون على النساء لباسا أسودا من الأعلى للأسفل ويُغطي الوجه بالكامل)، لا يتوانون عن استهداف الكَهَنة والحُجّاج والمُصلِّين المسيحيين، في القُدس الشرقية.. وقبل فترة قصيرة قام بعضٌ من هؤلاء اليهود بالبُصاق على بعض الكهنَة والحُجّاج المسيحيين، والمُصلِّين، وقامت الشرطة الإسرائيلية باعتقالهم، ولكن إيتمار بن غفير دافعَ عنهم..
واليهود المتطرفون يُهاجمون حتى نشاطات واحتفالات ما يُعرَفُ بـ ( منظمة السفارة المسيحية الدولية بالقدس)..رغم أن هذه المنظمة، تُقدِّم خدمات كبيرة لإسرائيل، ولكن مُجرّد وجود كلمة (المسيحية) في إسمها تجعلهم غير متقبِّلين لها، ويعتبرونها منظمة تبشيرية هدفها نشرُ المسيحية، وتحويل اليهود للمسيحية.. وهذا مرفوض بالنسبة لهم.. ويُذكِّرهم بالقرُون التي حاولت خلالها الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا تحويلهم إلى المسيحية، قسرا..
وسبق أن نشر مراسل صحيفة ها آرتس فيديو يُظهِر كيف أن عددا من اليهود قاموا بالبُصاق على الأرض، حينما خرجَ مجموعة من المُصلِّين المسيحيين من الكنيسة وهُم يحملون صليبا خشبيا.. وهذه عادَة يهودية قديمة..
وقال أحد الفاعلين لإذاعة الجيش ( أنا أريد البصق على كل صليب، وكل مسيحي والحط منهم بشدّة. لقد اعتادوا بالماضي على قتلنا وذبحنا. ومكتوب في التوراة أن الأبناء يدفعون ثمن خطايا آبائهم.. )..
بينما أضاف شخصٌ آخرٌ قائلا: (هذا هو المكتوب، عندما ترى صليبا أو مسيحيا تبصُق) ..
وفي شهر آب لوحدهِ من هذا العام 2023، كانت هناك 16 شكوى من مسيحيين قام اليهود المتطرفون بالهجوم عليهم..
ويتحدّث رجال دين مسيحيون في القُدس القديمة، عن خشيتهم من أن تتحوّل عادةُ(البُصاق) ضد المسيحيين، إلى أعمال عنف واعتداءات جسدية، أمام لا مُبالاة السُلطات الإسرائيلية..
ويقول بطرك اللّاتين في الأراضي المقدّسة، وهو أسقُف إيطالي، في مقابلةٍ مع وكالة أسوشيتد برس في نيسان الماضي 2023:
(إن المجتمع المسيحي الذي يعود تاريخهُ في المنطقة إلى 2000 عام، يتعرض إلى هجوم متزايد، حيثُ جعلت الحكومة الأكثر يمينية بتاريخ إسرائيل، المتطرِّفين، الذين يقومون بمضايقة رجال الدين والاعتداء على الممتلكات الدينية بوتيرةٍ متسارعةٍ، أكثرُ جرأة) ..
وفي بدايات هذا العام 2023 اعتقلت الشرطة شبابا يهود يقومون بتدنيس قبور في المقبرة البروتستانتية في جبل صهيون، غرب مدينة القدس..
وبعده بأسبوع، تعرض مركز الطائفة المارونية في مدينة (معالوت ترشيحا) في شمال البلاد للتخريب خلال عيد الميلاد..
كما تمّ استهداف مباني الجالية الأرمنية في القدس، وكتابة عبارات مسيئة على الجدران الخارجية.. وقام مجموعة من الشباب اليهود المتطرفين بإلقاء الكراسي على مطعم أرميني.
وفي الأسبوع التالي، تم الإعتداء على كنيسة “الجلد” (وهي كنيسة حبْس السيد المسيح، عليه السلام) وتقع ضمن دِير للفرانسيسكان، داخل أسوار البلدة القديمة..
بينما قام يهودي متطرف بمهاجمة بعض الكَهَنة، بقضيب حديدي في كنيسة السيدة العذراء، في الجسمانية ما بين القُدس وجبل الزيتون..
وكَم حصل بالماضي من اعتداءات على الكنائس وعلى الرُهبان في جبل الزيتون!!..
هذه هي الصورة الحقيقية للمجتمع الإسرائيلي: العنصرية والتطرف، بكل ما يعنيه ذلك من اعتداءٍ وقتلٍ وإنكارٍ للحقوق الفلسطينية، ومصادرةِ بيوتٍ، وهدمٍ، وتهجيرٍ، وتوسيعٍ للمستعمرات، ومصادرة للأراضي، واعتداء على دور العبادة الإسلامية والمسيحية، وكل أشكال القهر والظُلم.. ولذلك كان لا بُدّ من طوفان القُدس.. الذي نتمنى أن يجرُف هؤلاء العنصريين.. ويحقق أهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة..
نحن اليوم أمام أعلى خيلٍ في إسرائيل.. الإسرائيليون ركِبوا أعلى خيلِهم.. ولكن جاء طوفان القدس ليقولَ لهُم: هيك وهيك فيكم وفي أعلى خيلِكم.. تبّا لكم ولأعلى خيلِكم.. فهذا لن يُخيفنا ولن يُرهبنا، بل زادنا إصرارا على التمسُّك بحقوقنا، وكلما زدتم تطرُّفا فسوف نزداد عزيمة وإرادة وتصميما للمقاومة والتضحية.. وإن كان عندكم خيلا أعلى فاركبوه..
**
فتحية لِرجال الطوفان، ونشدُّ على أياديهم.. وندعو لهم بالنصر المؤزّر بعون الله..
فلسطين عربية.. وستبقى عربية.. شاء من شاء وأبى من أبى..