«طوفان الأقصى» ونهاية نتنياهو السياسية
كتب / إسماعيل جمعه الريماوي
لا شك أن معركة «طوفان الأقصى»، التي بدأتها حركة حماس في قطاع غزة، لا تشبه أياً من الحروب الثلاثة الكبرى التي خاضتها الحركة في مواجهة الكيان الصهيوني منذ عام 2008، لا على مستوى الحجم ولا على قدر المفاجآت.
على مستوى المفاجآت، لم يكن متوقعاً أن تشن حماس حربها ضد إسرائيل، بتكرار ما فعلته مصر وسوريا عام 1973 حيث كان الإسرائيليون يزعمون منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول قبل خمسين عاماً أن ذلك لن يتكرر أبداً. ما حصل ليس على يد جيش نظامي بل على يد منظمة عسكرية لا يرقى تسليحها وقدراتها الاستخبارية لمستوى جيوش الدول، وهي هزيمة قاسية لإسرائيل بغض النظر عن الآفاق والنتائج التي ستصلها هذه المواجهة في الأيام المقبلة.
وعلى مستوى الحجم حتى هذه اللحظة، فقد نوّعت حركة حماس هجماتها باستخدام قدرات عسكرية غير متوقعة على كافة الأصعدة: براً وبحراً وجواً، وهو تطور مختلف عن الهجمات السابقة التي كانت تقتصر على إطلاق الصواريخ نحو المدن والمستوطنات الإسرائيلية.
تداعيات محتملة
ووفقاً للحصيلة الأولى لتلك الحرب المفاجئة، هناك أعداد من القتلى والجرحى والأسرى الإسرائيليين يمكن مقارنته بالأعداد نفسها في حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وإن كان هناك اختلاف واضح بين الحربين فيما يتعلق بتمكن حماس من الدخول إلى عدد من المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود مع قطاع غزة والسيطرة عليها، والدخول في قتال ممتد مع القوات الإسرائيلية من داخل إسرائيل، وهو ما لم يتمكن حزب الله من فعله في حربه مع إسرائيل.
حجم المفاجأة التي أحدثتها هذه المواجهة مع دولة الكيان الصهيوني بشن حرب تبدو قد تم الإعداد لها بشكل جيد منذ عامين على أقل تقدير، سيترتب عليها العديد من النتائج التي يتمثل في: انكشاف الردع الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، وهو ما سيضع على إسرائيل عبئاً نفسياً وأمنياً قد يمتد لسنوات بغض النظر عن النتائج النهائية لتلك المعركة. إن استرداد مصداقية الردع الإسرائيلي سيقتضي رداً أكبر من أي توقعات بما في ذلك إمكانية حدوث عملية عسكرية برية في عمق القطاع.
وبغض النظر عن نتائج الحرب النهائية، سيكون الحساب عسيرا ما بعد المعركة من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وعلى رأسها جهاز «الشاباك»، المسؤول الأول عن تقدير الموقف في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإذا كانت لجنة «أجرانات» قد حمّلت جهاز الاستخبارات العسكرية «أمان» مسؤولية الإخفاق في توقع حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 (حرب يوم الغفران كما تطلق عليها إسرائيل)، فإن المسؤولية الكبرى هذه المرة ستقع على جهاز «الشاباك» – دون إعفاء «الموساد» و»أمان» من بعض المسؤولية على الأقل – على نحو يمكن معه توقع الإطاحة برئيسه وعدد من ضباطه قريباً.
ولن يتوقف الحساب عند أجهزة الاستخبارات، بل ربما ستطول المحاسبة أيضاً الجيش الإسرائيلي من قائد الأركان إلى قائد الجبهة الجنوبية وحتى وزير الدفاع وبعض كبار الضباط.
سيناريو توسع القتال
وربما تكون هذه الحرب هي نهاية بنيامين نتنياهو السياسية، مهما كانت نتائجها المحتملة، فإن اللجنة المتوقع تشكيلها بعد نهاية الحرب الجارية، كما جرت العادة في إسرائيل في أعقاب معظم حروبها، ستكون أكثر تشدداً في التوصية بعزل القيادات السياسية أولاً، مما يكسب المعارضة الإسرائيلية ضد نتنياهو زخماً كبيراً في المجتمع الإسرائيلي في المستقبل المنظور، مستخدمة تحذيراتها التي أطلقتها ضد الحكومة المتطرفة التي يقودها نتنياهو، وهو ما سيجعل من بقائه وبقاء حكومته في الحياة السياسية وفي الحكم مشكوكاً فيه إلى حد كبير. سيكتسب الخطاب العلماني في إسرائيل زخماً جديداً، ولاسيما أنه يطالب بوضع حد لنفوذ الأحزاب الدينية سياسياً، والتيار الديني ثقافياً، لما أحدثوه من شرخ في المجتمع الإسرائيلي في موضوع إصلاح القضاء وأدى إلى انقسامات حتى في داخل الجيش الإسرائيلي، ولعدم تكرار مواجهة إسرائيل لحروب مفاجئة تشن ضدها في المناسبات الدينية التي تفرض حالة من الاسترخاء الكامل في الدولة بكل مؤسساتها وفي المجتمع بكل طبقاته.
وفي النهاية، فإن أحد أكثر السيناريوهات التي تخشاها إسرائيل الآن يتمثل في توسع القتال بانضمام حزب الله إلى الحرب، وإن كان ذلك مرهوناً بحسابات معقدة للحزب في الداخل اللبناني، وفي إيران التي تعرف جيداً أنها ستكون المتهم الأول بتحريك الجبهة اللبنانية أمام المجتمع الدولي.