لو طبيب لو ( ملازم ) .. هكذا تحول الحال لدى بعض الطلبة و العائلات
كتب / د. باسل عباس خضير
المثل الشعبي القائل ( لو ملازم لو ملازم ) تم تداوله في مرحلة معينة خلال العقود السابقة ، وفحوى هذا المثل إن بعض العوائل كانت تعطي للضباط الأسبقية لمن يتقدم للخطبة والزواج على أقرانهم من المتقدمين في المهن الأخرى ، ربما بسبب المكانة الوظيفية او الاجتماعية للرتبة العسكرية او بسبب ما ينعكس عليها من مزايا وامتيازات ، وخلال السنوات الحالية تحول الحال من الضابط إلى الطبيب فأصبحت الدراسة في الكلية الطبية أمنية يسعى لبلوغها الطلاب وتتمسك عوائلهم بهذه الرغبة مهما انعكس على ولوجها من تكاليف وتضحيات سواء كانت الدراسة في القنوات الاعتيادية او الموازية او الأهلية او في خارج البلاد ، وهذا التحول ايجابي في جوانب تتعلق بخلق روح المنافسة ( العادلة ) بين الطلبة ورفع المستويات العلمية للحصول على المعدل الذي يؤهل للحصول على هذا المبتغى والذي يتطلب الحصول على معدلات تتجاوز الحد الأعلى ( 100% ) للدخول في كليات الطب ، وفي العام الدراسي الحالي ( 2023 / 2024 ) أظهرت نتائج القبول المركزي الذي تعده وزارة التعليم العالي كل عام ، إن الحد الأدنى للقبول في كلية الطب بجامعة بغداد 100.9% أي بمجموع 706 ، رغم إن الحد الأعلى الذي يمكن إن يحصل عليه الطالب هو 700 درجة لأنه يؤدي الامتحان في 7 دروس ودرجة الحد الأعلى لكل درس 100 ، وإذا سال أحدا كيف يتجاوز الطالب درجة أل 100 فان الجواب بسيط وهو بإضافة عدد من الدرجات كامتيازات وما اكتر الامتيازات في القبول بالجامعات التي أخذت تتوسع بالعرض والطول .
ونتائج امتحانات الدراسة الإعدادية للعام الدراسي 2022 / 2023 حافلة بالمفاجآت ، فحسب تصريحات من وزارة التربية فان عدد الطلبة الذين حصلوا على معدلات تتراوح بين 90 – 100% قد بلغ 50 ألف منهم 4000 ممن حصلوا على معدل 100% و4500 كانت معدلاتهم 99% ، ومن الأمور التي خرجت من القبول المركزي في التعليم الحكومي لهذا العام الارتفاع الكبير بمعدلات القبول في المجموعة الطبية ونقصد كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة ، فبعد أن قبلت طب جامعة بغداد 100.9% فأكثر فأن أدنى معدل تم قبوله في كليات الطب الحكومية في العراق بلغ 99.43 في جامعتي ميسان والمثنى ( ولأبناء المحافظتين حصرا ) ، وبلغ أعلى حد أدنى للقبول في كليات طب الأسنان في جامعة بغداد 99.43 وأدنى معدل 98.86 في جامعة الانبار ، أما في كليات الصيدلة فقد بلغ الحد الأدنى 98.75 في الجامعة المستنصرية و98.43 في كليات الصيدلة بجامعتي البصرة ونينوى ، وشهدت كليات التقنيات الصحية والطبية التي يتخرج منها تقنيون وليس أطباء او أطباء أسنان او صيادلة ارتفاعا بمعدلات القبول ، حيث بلغت 98.14 في الجامعة التقنية الوسطى في بغداد و98.00 في كل من جامعتي التقنية الجنوبية في البصرة و الفرات الأوسط التقنية في الكوفة و97.20 في الكلية التقنية الشمالية ، وساد القبول في المعاهد التقنية التي تمنح الدبلوم ارتفاع بدرجات الحدود الدنيا حيث بلغ المعدل المطلوب 96.91 في المعهد الطبي التقني المنصور و95.14 في المعهد الطبي التقني في باب المعظم ، ولم تشهد نتائج القبول في التعليم الموازي الحكومي تغييرا جوهريا في الحدود الدنيا للقبول في تخصصات المجموعة الطبية فالفارق هو ( بوينت الدرجة ) او أكثر من ذلك بقليل .
ومن المتوقع أن تشهد الكليات الأهلية تزاحما وإقبالا واسعين في القبول على أقسام ( الطب العام ، طب الأسنان ، الصيدلة ) ، فرغم إن نتائج القبول في الكليات الأهلية لم تظهر بعد ولكن من المرجح أن لا تقل الحدود الدنيا للقبول في الطب العام عن 97% ، كما من المتوقع أن تكون الحدود الدنيا مرتفعة أيضا في بقية فروع المجموعة الطبية ، وارتفاع المعدلات وعدم وجود الفرصة للقبول في كليات الطب العام داخل العراق للتعليم الحكومي والأهلي يضطر بعض العوائل الباحثة عن دراسة الطب لطرق أبواب الجامعات التي فيها فروع طبية في العديد من دول العالم وبالذات في دول الجوار ( الأردن ، إيران ، تركيا ) ، وهم يقدمون على هذا الخيار رغم ما يترتب عليه من غربة وتكاليف ، فأمنية الدراسة في المجموعة الطبية تعيش في نفوس العديد من الطلبة وعوائلهم فمنهم من يرفض الانتساب لكليات الهندسة والفروع العلمية الأخرى ظنا من البعض إن القبول بغير المجموعة الطبية لا يكافأ الجهود التي بذلت خلال 12 سنة من الدراسة لبلوغ معدلات 98% او أكثر غير الكافية للقبول في كليات طب العراق ، رغم علمهم الأكيد بان كليات الطب لا يمكن أن تستوعب جميع مخرجات التعليم الثانوي بسبب الحاجة الفعلية والقدرات الاستيعابية لكليات الطب والتي تتضمن العديد من المتطلبات التدريسية واللوجستية ، ونشير بهذا الخصوص إلى إن معدلات القبول في المجوعة الطبية آخذة بالارتفاع عاما بعد عام وكأنها تنمية وتزداد ، فقد بلغت الحدود الدنيا للقبول في كليات الطب (99.17) وطب الأسنان (98.33) والصيدلة (97.83) للعام الدراسي 2021 / 2022 ، و في العام الدراسي 2022 / 2023 بلغت الحدود الدنيا (99.29) لكليات الطب ولطب الأسنان (98.71) وللصيدلة (98.29) ، وهي في هذا العام كما عرضناه أعلاه .
ورغم الزيادة بعدد المقبولين في التعليم الحكومي للعام الدراسي الحالي 2023/ 2024 مقارنة مع العامين الدراسيين 2022 / 2023 و 2021 / 2022 ، الاان هناك من يسال عن مصير الفرق بين عدد الطلبة الذين أدوا امتحانات السادس الإعدادي والبالغ 689225 وعدد المقبولين في جامعات التعليم العالي الحكومية البالغ عددهم 250000 ، حيث إن الفارق كبير بين الممتحنين والمقبولين ، وربما بعضهم سيؤدون امتحانات الدور الثالث للدراسة الإعدادية للمدة 13- 21 من هذا الشهر ، او إن بعضهم لم يقدم للقبول المركزي او إن هناك عددا ممن عدوا راسبين في الدراسة الإعدادية ، وبغض النظر عن الأرقام فمن المتوقع أن ينتعش القبول في الكليات الأهلية بعد أن وافقت وزارة التعليم العالي على تخفيض الحدود الدنيا للتقديم في بعض التخصصات ، علما إن مؤشرات وزارة التخطيط والتربية والتعليم العالي تشير إلى إن أعداد طلبة السادس الإعدادي الذين يحق لهم الانتساب للتعليم الجامعي بعد اجتيازهم الامتحانات مرشحة للزيادة خلال العام القادم ، ويقابل ذلك بطء النمو للقبول والدراسة في فروع المجموعة الطبية في الأمد القريب كونه غير قابل للطفرات لما يتطلبه من تنمية ومتطلبات ، وإذا علمنا بان عدد المتنافسين على التخصصات الطبية سيكون في العام الدراسي 2024 / 2025 أكثر بكثير من العام الدراسي الحالي 2023 / 2024 بسبب قيام وزارة التربية بإلغاء العمل بالفرعين الإحيائي والتطبيقي والاكتفاء بالفرع العلمي ، مما يعني زيادة التنافس في ظل منح مزيدا من الاستثناءات بإضافة الدرجات وفتح العديد من قنوات القبول مما سيجعل الطب من الأمنيات المعقدة بالفعل .
وما نعرضه لليس للفرجة والحسرة والنقد فحسب ، وإنما هي دعوة مخلصة لمن يعنيهم الموضوع لتدارك ما سيأتي وما يتطلبه بإعادة النظر في سياسات الامتحانات في الإعدادية والقبول في الجامعات وتطبيق استراتيجيات التوجيه المهني والتخطيط بحدود الاحتياجات الفعلية لأسواق العمل ، سيما وان هناك أصوات من النقابات الطبية تدعو لترشيد المخرجات وجعلها على وفق المؤشرات الدولية ، ومن المفيد العمل لتطبيق المعايير العلمية في القبول بالتخصصات الطبية كما معمول به دوليا بضوء التحصيل والكفاءة والرغبة وغيرها من العوامل التي تحدد الأهلية الفعلية بعيدا عن العشوائية والعواطف والمزايدات ، كما يتطلب الموضوع إبداء الرعاية اللازمة للتخصصات التي تحتاجها البلاد فمعظم الرغبات ولدت من رحم الامتيازات .