البلطجة الأمريكية في البحر الأحمر.. هل ترعب اليمنيين وتردعهم عن نصرة أهل غزة؟
كتب / د. محمد يحيى الدريب
قد ربما ينظر الأمريكيون ومن تحالف معهم من الأعراب والأوباش إلى اليمنيين اليوم على أنهم شعب من الشعوب الغوغائية البدائية المتخلفة، التي لا تستحق أن تنعم بحق العيش والبقاء، فضلاً عن أن يتمتعوا بالهدوء والأمن والسلام، وأن يكون لهم حق الحرية والاستقلال في الإرادة واتخاذ القرار وفق رؤيتهم وما يؤمنون به من المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية والإنسانية، بل لعلهم في نظرهم لا يعدون أن يكونوا نموذجاً عصريّاً للهنود الحمر الذين جرت ضدهم عمليات قتل وإبادة وتطهير وحشي في أوائل العصر الحديث على يد الرجل الأبيض الأوروبي.. وإذا لم يكونوا كذلك تمامًا وبنفسالمرتبة ودقة التوصيف والتحديد، فالمؤكد أنهم لا يقلون شرّاً وخطراً عن تلك “الحيوانات في صورة البشر” في قطاع غزة، الذين تنكل بهم آلة الحرب والقتل والدمار الصهيونية-الأمريكية أشد تنكيل، وترتكب بحقهم أفظع الجرائم التي عرفها التاريخ الإنساني الحديث.. فتُهدّم البيوت والمساكن على رؤوسهم، ويُقتّل أبناؤهم وذراريهم، ويستخرج المرضى والجرحى من أسرّتهم، والخُدّج من غرف العناية بالمستشفيات ويداسون بالمنجزرات أو يتركون في العراء بغير أدنى عناية ورعاية حتى يلاقوا حتفهم.. وهل تحتاج المشاهد والصور التي تعرضها الشاشات بمختلف اللغات على مدار اليوم والساعة، منذ بدء هذه الحرب وحتى اللحظة، إلى مزيد شرح وتوضيح..؟!
ثم لا يتوقف أولئك الصهاينة -أعداء الإنسانية- عند هذه الحدود الإجرامية المخزية، فنراهم يصرحون أمام عدسات الكاميرات وعبر التلفزات الفضائية ويعبرون في ساحات التواصل الاجتماعي الإلكتروني بكل أنواعها، عن التفاخر والزهو والتبجح بتلك الأفعال المروعة والمشينة، بل ويهددون البقية الباقية من أهالي غزة بالتدمير الشامل عن طريق القصف بـ “الأسلحة النووية”..!
وهذا يعني أن تلك العصابات والقطعان الصهيونية الفاقدة لكل إحساس إنساني سوي قد بلغت أقصى دركات التردّي وأخس منازل الانحطاط في التوحّش والجنون الهمجي الدموي..
وفي سياق هذا القتل الذريع والجنون الصهيوني المسعور المنفلت إلى أبعد الحدود، والاستئساد على الأطفال والنساء والمدنيين العزل المحاصرين والمثخنين بالجراح، ولكن الممتلئين شجاعة وبسالة وعزة وصموداً أسطوريّاً لا نظير له، والمفعمين إرادة وعزيمة وتصميماً وإيماناً بقضيتهم وبحقهم الطبيعي والمشروع في استعادة وطنهم وتحرير أبنائهم وإخوانهم وأهلهم القابعين في سجون الاحتلال ظلماً وتعسفاً وعدواناً؛ في ظل هذه الأجواء والأحداث لم نتفاجئ من التحركات العسكرية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في حشد أساطيلها وبوارجها البحرية وغواصاتها الحربية وصواريخها البالستية المزودة بالرؤوس النووية وطائراتها المذخرة بأحدث القذائف الذكية إلى سواحل البحر الأحمر وخليج عدن… لترهب اليمنيين وترعبهم وتردعهم وتمنعهم من القيام بأي دور تمليه عليهم إرادتهم وضمائرهم الحيّة ومشاعرهم الإنسانية النبيلة وحسهم القومي اليقظ ووازعهم الديني والأخلاقي والأخوي الصادق من واجب الدعم والنصرة لأهل غزة وأبناء الشعب الفلسطيني عامة في خضم هذه المعركة المصيرية والحرب الشعواء الصهيونية-الأمريكية لاستئصالهم وتهجيرهم قسراً من أرضهم أو دفنهم تحت حطام منازلهم وبيوتهم..
وكانت القوات المسلحة اليمنية قد بدأت في شن عملياتها العسكرية بالصواريخ البالستية بعيدة المدى والطائرات المسيّرة، على مواقع العدو الحيوية في أم الرشراش ومرفأ إيلات، منذ الأيام الأولى للمعركة، واستمرّت عمليات الجيش اليمني وازدادت تركيزاً وتحديداً وإيلاماً للعدو بشكل تصاعديّ، ثم في خطوة تالية، فاجأت العدو وأربكته، فرضت القوات البحرية اليمنية حصاراً بحريّاً على السفن الإسرائيلية والسفن المتعاملة مع رجال أعمال إسرائيليين، كمرحلة أولى، ثم في المرحلة الثانية منعت أي سفينة متجهة لكيان العدو، أيّاً كانت جنسيتها، من المرور عبر البحر الأحمر ومنفذ باب المندب؛ في مسعى يمني هدف إلى زيادة الضغط تجاريّاً واقتصاديّاً على دولة الاحتلال وإجبارها على وقف جرائمها وعدوانها على أهل غزة.
وقد أعلنت حكومة صنعاء بشكل واضح وحاسم أن أمن منطقة البحر الأحمر وباب المندب جزء لا يتجزأ من أمن غزّة، وأن قضية فلسطين هي قضية اليمنيين الأولى، وهي قضية كل المسلمين، بل وقضية كل الأحرار والشرفاء في العالم أجمع.. وأنها
ستواصل عملياتها العسكرية في عمق دولة الاحتلال وفي فرض الحصار البحري عليه، كما لن تألو جهداً في استخدام كل الخيارات الممكنة لديها واتخاذ كل الإجراءات اللازمة في تقديم كل أشكال الدعم والنصرة والمؤازرة للشعب الفلسطيني المظلوم والمستضعف..
وأن هذه الأساطيل والحشودات والتحالفات الأمريكية لن تزيد اليمنيين إلا إصراراً وتصميماً وعزماً في المضي قدماً في هذا المسار حتى النهاية، مهما بلغت النتائج، وبصرف النظر عما يترتب عليه من العواقب والآثار والتبعات..
وفي سياق هذه “الشبرقة والطبرقة” الأمريكية وحالة جنون العظمة التي تغمر أمريكا وتحكم إدارة البيت الأبيض وتسيطر على خطواتها ومواقفها وتؤثر على مراكز صنع قرارها وتعمي بصيرتها عن الاتعاظ وأخذ العبرة والاستفادة من حقائق الواقع والتاريخ والنظر بميزان من الحكمة والعقل وشيء من التوازن والإنصاف في التعامل مع قضايا أمتنا العربية والإسلامية، ومظلومية الشعب الفلسطيني بوجه خاص، ومع هذا الموقف الصلب الثابت للحكومة اليمنية وقواتها المسلحة في مواصلة الدعم والإسناد للفلسطينيين حتى يتوقف العدوان عليهم؛ لا يسعنا إلا أن نستنطق ونستشف من بين سطور التصريحات ومجريات الأحداث وخيوط المواقف والتطورات ما يمكن أن يعبر عنه ويقوله لسان حال اليمنيين للإدارة الأمريكية، إنه يقول لها: هذا كيان مصطنع، أنتم زرعتموه في منطقتنا وفي قلب أمتنا.. وزودتموه بكل أسباب القوة وعوامل البقاء.. ألا تستطيعون إيقافه عن ارتكاب هذه الفظائع والأفعال الوحشية التي يشاهدها ويتابعها سكان العالم أجمع؟ ألا تستطيعون أن تطلبوا من أولئك القتلة أن ينظروا في المرآة إلى وجوههم القبيحة وأن يجروا بعض المراجعة والتأمل في طبائعهم وسلوكهم وأحوالهم النفسية لكي يتأكدوا ويتحققوا من هي الحيوانات البشرية حقاً وصدقاً، ومن خلال الأدلة الماثلة والبراهين الجلية الظاهرة؟!
هل أنتم حقاً عميٌ وصم وبكم عن كل تصرفات ذلك الكيان وسجله الإجرامي العريض المشهود؟ هل تريدون أن يحترق نصف العالم من أجل قطعان من شذاذ الآفاق ومصاصي الدماء غير المنضبطين؟
هل تظنون أن أمتنا قد ماتت، وأن شعوبنا قد تبلدت وفقدت الاهتمام والإحساس بواجباتها الأساسية تجاه قضاياها ومسؤولياتها الوطنية والأخلاقية، وأنكم حين تحضرون الأساطيل والبوارج الضخمة والصواريخ ذات الرؤوس النووية المدمرة ستجعلوننا نخاف ونرتعب ونخلي لكم الساحات لتمارسوا ما يحلو لكم ولبني صهيون من القتل والإجرام والإبادة والتطهير؟!
هل نغمض أعيننا ونصم آذاننا وأسماعنا عن الإصغاء لنداءات المنكوبين وصرخات المستغيثين في غزة، وهم بين ركام الدمار وأكوام الخراب الذي سببته آلة الحرب الجهنمية الصهيونية الأمريكية وهي تحصد أرواحهم وتمزق الأجساد الغضة الطاهرة لأطفالهم وتحيلها إلى أشلاء وقطع متناثرة، ونقف متفرجين مشلولين، مكتوفي الحركة عن أي فعل أو انفعال؟! إذن، لا كنا ولا بقينا، إن فعلنا ذلك…