السيولة الاستراتيجية
كتب / احمد المياحي
تعاني منطقة الشرق الأوسط من توترات واضطرابات تجعلها اشبه “ببيادق الشطرنج” التي لا يمكن أن تبقى ثابتة مع استمرار اللعبة.
ومن ثم، باتت صياغة استراتيجية واضحة من جانب الدول الكبرى تجاه دول هذه المنطقة أمر غاية في الصعوبة. فمن ناحية، لا يمكن التنبؤ بما قد تؤول إليه الأوضاع في المنطقة بعد طوفان الأقصى .
ومن ناحية أخرى تمر القوى الكبرى ذاتها بتحولات مهمة؛ فمنطقة الشرق الأوسط أضحت ساحة لاستعراض القوة بين الخصوم الكبار روسيا واميركا وتواجد قواعد عسكرية روسية في سوريا زاد من التوتر الأمني والسياسي بحيث يمكن أن تنشب حرب مباشرة بين القوتين العظمتين في حال اختراق قواعد الاشتباك المتفق عليها.
وترتب على ذلك أن استراتيجيات الدول الكبرى كثيراً ما يشوبها قدر من التناقض والاضطراب ففي الوقت الذي تدعم روسيا بشكل أو بأخر حركة حماس سواء من خلال مواقفها في مجلس الأمن الدولي ام من خلال المساعدات الطبية واللوجستية نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم وتشارك بشكل مباشر الكيان الصهيوني في حربها اللاانسانية ضد قطاع غزة وكأن الروس يريدون ارسال رسائلهم إلى أميركا أن تدخلكم المباشر في حرب اوكرانيا لن يتم دون عقاب مع تسريبات عن توفير تعمية رادارية وتشويش ضد الطائرات التي استخدمتها حركة حماس يوم ٧ أكتوبر.
اذن نحن بصدد تحول جيوسياسي ليس تحول شكلي أو هامشي، بل هو جوهري ، وسيشمل أغلب دول الإقليم، ولن يتوقف عند دولة أو منطقة واحدة، مثلما جري في مراحل تطور النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأدت الي وجود مناطق نفوذ وتأثير ممتد، وتحالفات واستقطابات ثنائية ومتعددة الأطراف، إضافة لنشأة التحالفات عبر منظمات عسكرية وسياسية واقتصادية.
واستنادا للواقعية السياسية، والتي ستعلن عن نفسها في اطار النظم الاقليمية الرئيسية، والنظم الفرعية داخل الأقاليم المختلفة.
ولعل هذا الامر سيبرز خلال الفترة المقبلة، خاصة أن العلاقات الدولية في عالم ما بعد طوفان الأقصى ستختلف تماما عما كان عليه كون شعوب المنطقة افاقت ولو بشكل نسبي من البروبغاندا التي صورت لدول المنطقة انها أمام عدو مفترس اسمه ايران بيد أن ما تلمسه في واقع الصراع الدائر أن ايران ومعها المحور المقاوم يدفع باتجاه تحرير الأرض الفلسطينية ويعطي من أجل ذلك الدماء ويتحمل الحصار والاغتيالات لأهم القيادات العسكرية والعلمية.
بالمقابل أن القوى المقاومة تحرك السيولة الاستراتيجية من خلال ترسيخ مفهوم القوة القتالية وتفاعل جماهيري دولي غير مسبوق لذا سيكون إقليم الشرق الأوسط طرفا فاعلا في توجيه أنماط العلاقات وتفاعلاتها الاقليمية والدولية بصورة وأضحة وليس فقط متلق أو مراكز للتأثير التابعة، خاصة وأن حسابات القوة الشاملة وإمكانيات الإقليم بدوله تتعاظم مع تراجع في القناعة لدى صناع القرار بقدرة الغرب على حماية الانظمة الحالية مايدفعها باتجاه محور ايران روسيا الصين عسكريا واقتصاديا وسياسيا.