صبرًا آل الدحدوح فإنّ موعدكم الجنة
كتب / د. سعد ناجي جواد
اخي الكريم والعزيز والمحتسب وائل الدحدوح، لم التق بك سابقا ولم أتعرف بشخصك الكريم من قبل، ولكني شعرت منذ اللحظة التي سمعت بها خبر ارتقاء فلذة كبدك الشهيد البطل حمزة باني أشاطرك ما تمر به، مع الفارق طبعا، فأنت من فقدت عددا لا يستهان به من احب الناس إلى قلبك وانت من واريتهم الثرى، وانا كغيري من المشاهدين في موضع المراقب المتألم عن بعد. كل الذي أتمناه ان تشكل كلماتي هذه بعض المواساة لك في مصابك الجلل. لله درك يارجل على هذا التجلد، وعلى هذا الإيمان العميق والحقيقي بالله تعالى وبقدره، وعلى حبك لشعبك وأرضك فلسطين والتي بالتاكيد تستحق كل هذا التفاني. لقد ابتلاكم الله يا اهل هذه البقعة الشريفة، وأهل غزة بالذات، بعدو مجرم خال من الإنسانية والضمير، ومدعوم بقوة عظمى تتصف بنفس الصفات وتصر على تزويده بكل ما يمكنه من الاستمرار في جرائمه. عدو متعته الدم والقتل وخاصة للأطفال والشباب الذين يخشاهم، لأنه يعلم جيدا انهم سيكونون مقاومو المستقبل الذين سيعيدون كل الحقوق الفلسطينية لاهلها. تمنيت وانا اشاهد دموعك وهي تهطل بكبرياء الرجال حزنا على فلذة كبدك، وانت تقبل يديه مودعا، لو اني كنت جانبك لكي أواسيك، ولكن والحمد لله لاحظت ان هناك من حولك من زملائك والمتبقي من عائلتك ومن ابناء غزة كلها ما يُشعِر كل مشاهد بأنك بين من يقدّر مصابك الأليم ويعلم جيدا عِظَمَ ما ابتُليت به.
لا ادري كم يجب ان تفقد غزة من الشهداء اكثر من اولئك الذين ارتقوا لحد الان لكي يُرضي المحتل حقده وكرهه لغزة ولفلسطين. ولا اعلم كم من التدمير ومسح الأراضي وجرفها يمكن ان يشفي غليل نفوسهم المريضة. ولكني مع ذلك على يقين ان كل هذا التمادي في القتل والتدمير لن يغير حقيقة ان كيانهم إلى زوال مهما طال الزمن. اما ظلم ذوي القربى فيبقى هو الأقسى والأكثر ايلاما في ما يجري، وخاصة هذا السكوت الرسمي القاتل على هذه المجازر.
وسائل الإعلام الغربية والأمريكية والاسرائيلية تتبجح بان مجتمع الاحتلال هو مجتمع( متحضر) و(ديمقراطي)، (ومع الأسف والألم ان هذا الكلام تردده أبواق وأشخاص محسوبين على العرب لانهم يتكلمون لغتهم)، ولا ادري كيف يكون المجتمع متحضرا وهو يُسعَد بالجرائم التي ترتكبها حكومته، لا بل ويطلب منها المزيد. عندما يصل الأمر بنقابة أطباء إسرائيل ان تطالب جيش الاحتلال بالإسراع بتدمير مجمع مستشفى الشفاء على رووس المرضى والجرحى الراقدين فيه، والأطفال والنساء الذين لجأوا اليه هربا من الموت، بحجة وجود نفق للمقاومة تحته، فان هذا يُظهر للعالم طبيعة هذا المجتمع. وعندما يفشل جيش الاحتلال في العثور على اي نفق تحته، تعمد قوات الاحتلال إلى تدمير المستشفى قبل مغادرتها. ولم يسمع احد كلمة واحدة من نقابة أطباء الاحتلال الذين اقسم اعضائها قسم أبقراط الذي يحث الطبيب ان يعمل كل ما في وسعه لإنقاذ حياة الناس. انه قدر الفلسطينين ان يعيشوا تحت نير احتلال منزوع الانسانية.
واعلم يا اخي الكريم ان تجلدك وامثالك من ابناء غزة الصابرة المحتسبة هو اكثر ما يغيض المحتل، وما يفقده صوابه، والكلمات التي تصدر عن المكلومين التي تعبر عن إيمان إسلامي عميق، والمتمثلة بعبارات: (الحمد لله على كل شيء، أنا لله وانا اليه راجعون، حسبنا الله ونعم الوكيل، كل شي فدى فلسطين). لانها اولا تشعرهم بمدى اصرار هذا الشعب، وثانيا لأن هكذا عدو خال من الإنسانية لا يستطيع ان يتصور وجود مثل هذا القدر من الإيمان في نفوس ابناء فلسطين، واخيرا لانهم كانوا يريدون منكم، بل يتمنون ان تجزعوا وان تثوروا على مقاومتكم وان تنسوا حقوقكم، وهذا ما لم يحصلوا عليه.
لا استطيع ان استمر بالكتابة اكثر لأني عاجز عن العثور على الكلمات المناسبة، او اية كلمات يمكن ان تكون على مستوى مصابك الجسيم و مصاب كل ابناء غزة، كل الذي استطيع ان أواسيك به هو قول عز من قائل:
( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ). والفاتحة على روح الشهيد حمزة وارواح كل شهداء غزة العز والشجاعة والصمود.