إعادة إنتاج الجاهلية.. أبو جهل يعترض والبارودي يتبرأ من “بلاد العرب أوطاني”!
كتب / ايهاب سلامة
لو قدر للزمن معاودة أدراجه لحقبة الجاهلية، وشهدت القبائل العربية مذابح غزة، لأبت عليها كرامتها، ونخوتها، إلا أن تذود عنها بأرواحها؛ ولجاست في الكيان العبري بسيوفها وخيولها طولاً وعرضا.
اليوم، وبعد ألف واربعمائة وخمسة وأربعين عاماً من أعظم رسالة في التاريخ، ننكث العهد مع الله؛ ونسلم مفاتيح ديار المسلمين لأحبار بني قريظة، ونتآمر مع بني النضير لاغتيال النبي محمد!
ها نحن نرتد يا أبا بكر ثانية، ونطبّع مع قتلة الأنبياء، ونحاصر مع الأحزاب الخندق، ونسمّم حليب النوق لأطفال الأوس، ونجوّع نساء الخزرج، ونطعن الشهداء الذين أعلنوا براءتهم منا حتى القيامة.
ها نحن نسلّم مفاتيح القدس التي حررها ابن الخطاب، وندخل أبا لؤلؤة المجوسي على محرابه، ونشحذ له سيفه، ونغرزه في خاصرة الفاروق، ونأكل كبد حمزة بن عبد المطلب مع هند بنت عتبة، ونشرب دماء أطفال قريش مع جنود أبرهة الأشرم!
ها نحن بكل ما فينا من خسّة ووضاعة، نحاصر غزة هاشم مع اليهود الاشكناز، والصهاينة السفرديم، وجميع ذئاب البشرية التي هتكت ستر مضاربنا، ولم تجد كلباً واحداً ينبح عليها.
ها هو النيل يعزّ على هاشم بن عبد مناف، ويتمنّع عنه بلح الشام، وتمر الحجاز، وها هم الصحابة يلوذون للنجاشي ثانية، ويستغيثون بافريقيا، بعد أن تخلى عنهم أبناء جلدتهم!
ها نحن نحتفي على وقع المذابح بالقيان، وندشن المواخير في مضارب العروبة، ونحيي ليالي المعازف على هدير الصواريخ التي تفجر رؤوس أطفال أمة محمد!
أف لنا..
في الجاهلية، حتى في الجاهلية.. كانت الحميّة تأخذ عبدة الأوثان على أصنامهم، ويذودون عن ديارهم بأرواحهم. كانوا يوفون العهد، ويذبّون عن المظلوم، ويحمون الجار، ويقرون الضيف، ويغيثون الملهوف، ولا يجار من استجار بهم.
وذاك أبا جهل رفض اقتحام بيت النبي وهو القادم لقتله، صارخاً بقومه: وتقول العرب بأننا تسورنا الحيطان وهتكنا ستر بنات محمد؟
اليوم، تنهتك أعراض نساء أمة محمد، ويذبح أطفالها، ويعدم شيوخها، وتدنّس مقدساتها أمام ملياري مسلم على الهواء مباشرة، ولا تتحرك فيهم نخوة ولا غيرة أو تسنتفر فيهم غضبا.
اليوم، نشهد نتاج جينات عربية تم التلاعب فيها، فأنجبت حقبة هجينة قبيحة لم يشهد التاريخ مثل زمانها، ولا هوانها، ويندى لها جبين البشرية والحيوانات..
دلوني على أمة في التاريخ تلهث لمسالمة من يحتل مقدساتها، وينتهك كراماتها؟
دلوني على أمة تكرّم الراقصات، وتحتفي بالتافهين والعاهرات، ويموت فيها الشرفاء في غياهب المعتقلات؟
دلوني على أمة لا تسترجل شعوبها إلا على شعوبها، ولا تحارب جيوشها إلا جيوشها، ومحتقرة بين شعوب الأرض.. وتكابر!
اللعنة ما أفصحنا بالكلمات كيف نكابر؟!
اللعنة ما أفظعنا كيف نكابر ..
لقد دقت جميع خوازيق الكون فينا، وما زلنا نكابر :
بلاد العرب أوطاني.. من الشام لبغدان، ومن نجد إلى يمن، إلى مصر فتطواني..
يا بارودي:
ها هي الشام مذبحة، وبغداد نحروا أهلها ثانية من الوريد إلى الوريد، والحزن العربي يفيض، من السوادن إلى سورية ولبنان وليبيا إلى اليمن السعيد.. وفلسطين تخلّت عنها جميع القبائل الغارقة في وحل ويلاتها وخيباتها.
يا بارودي: ما ظل في بلاد العرب أوطاني وأوطانك، ما ظل غير الغزّي وحده يقاوم، والبقية بين مساوم ومسلّم ومسالم!