هل يمكن للشرق الأوسط أنْ يقلب طاولة النظام العالمي؟
كتب / سيامند خليل
تتغير معادلات النمو الاقتصادي لأي دولة أو منطقة جغرافية، بشكل مباشر، مع وجود مساحات بحرية وموانئ ستراتيجية، خاصة إذا كانت على امتداد الطرق الاقتصادية العالمية، فهي ذات أهمية قصوى. فالملاحة البحرية، حتى الآن، أسهل تنظيما بموجب القوانين الدولية، ولإمكانية شحن البضائع الثقيلة بأقل التكاليف مقارنة بالنقل البري والجوي.
وبشكل عام، فإن الدول التي تمتلك منافذ بحرية، تتمتع بميزة تنافسية كبيرة في سباق القوة والنمو. ويجب عليها الاستفادة من هذه الميزة لتعزيز اقتصادها ومكانتها الدولية. وبالتالي، فإن الدول التي تقع في وسط قارات العالم ولا تمتلك منافذ بحرية، تشهد تراجعًا في سباق القوة والنمو، مثل جمهورية التشيك، وبولندا. وقد شهدنا عبر التاريخ، العديد من مطالبات الدول بالأراضي المجاورة، والتي تحولت أحيانًا إلى حروب.
تاريخيًا، كان للتطور في السفن الحربية أثرٌ كبيرٌ في فرض قوة الإمبراطوريات الغربية على الأراضي ما وراء البحار، ليس فقط للاستيلاء على موارد الدول الأخرى، بل أيضًا لضمان السيطرة على طرق التجارة البحرية، مما أدى إلى صراعات بين هذه الإمبراطوريات. وقد كان الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط أحد أسباب الحرب العالمية الأولى. وقد أدت الحرب إلى تقسيم ورسم خريطة الشرق الأوسط بما يتناسب مع مصالح الدول المنتصرة، والتي تمثلها عدد من الدول الغربية الحالية.
جيوستراتيجيا، يُعد الشرق الأوسط منطقة حيوية لأي قوى عالمية، نظرًا لثرواته الطبيعية وموقعه الستراتيجي الذي يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، مما يجعله قادرًا على قلب الموازين في العالم. وتسعى هذه القوى إلى الهيمنة على الشرق الأوسط وتأمين طرق التجارة والنقل البحري فيه. ولكن بعد الحرب على غزة، وتفاقم التوترات العالمية، أصبحت علاقات الشرق الأوسط بالغرب أكثر تعقيدًا. بينما تتجه الأنظار نحو المزيد من التعاون مع الصين وروسيا، وخاصةً في ظل تنامي قدراتهما الاقتصادية والعسكرية. وقد يؤدي هذا التقارب إلى تشكل مثلث جديد يشكل تهديدًا للنظام العالمي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة مع حلفائها. ومن هذا المنطق يمكن تفسير دعم الولايات المتحدة للحرب على غزة وتشكيل تحالف دولي في البحر الأحمر.
في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، تكشف التطورات الجديدة في المنطقة عن نوايا الغرب تجاه هذه المنطقة، والتي لا تبشر بالخير. فهم يحرقون كل شيء من أجل تحقيق مصالحهم، ولا يرون في الشرق الأوسط سوى أداة لخدمة مصالحهم. وقد بات الفرق أكثر وضوحًا بين أقوالهم وأفعالهم.
السحر الغربي يتلاشى ببطء في الشرق الأوسط، ولم تعد شعوب المنطقة معجبة بتجسيد المبادئ الغربية. ويؤدي التدخل العسكري الأمريكي البريطاني في البحر الأحمر إلى زيادة الاستياء. كما أن هناك تناقضًا في تعريف الإرهاب، حيث يصف الغرب أي جهد لا يتناسب مع مصالحه بأنه إرهابي، ويطلق على ارتكاب الجرائم الحربية اسم: حق الدفاع عن النفس.
خارطة العلاقات والمصالح المشتركة بين الشرق الأوسط والغرب كانت دائمًا مثيرة للجدل، لكنها لم تكن أبدًا خطيرة كما هي الآن. ففي اليمن، تمارس جماعة انصار الله الحوثيين ضغوطًا عسكرية جادة على البحر الأحمر. وفي منطقة الخليج، تُعتبر القدرات العسكرية المتنامية لجمهورية إيران الإسلامية تهديدًا لمصالح الغرب، حيث يمكنها تعطيل حركة الملاحة عبر مضيق هرمز. وفي حال اتساع الصراع، ستكون قدرات حزب الله في لبنان حاسمة في جزء من البحر الأبيض المتوسط. فسوف تشهد المنطقة تصاعدًا في التوترات من الخليج وحتى البحر الأبيض المتوسط.
لا يكفي التحفظ الأمريكي لمنع اتساع الصراع في الشرق الأوسط. بل يجب أن تتحول السياسات الغربية في المنطقة إلى سياسات منسجمة مع تطلعات الشعوب في المرحلة الجديدة من امكانية تحول العالم نحو تعددية الأقطاب.