الأمن الإقليمي الذي أضاعته دول الإقليم
كتب / عبد الأمير المجر
بعد اندلاع الحرب بين اسرائيل وحزب الله العام 2006 ومن ثم المواجهات المستمرة بين اسرائيل وحماس لغاية العام 2018، وما رافق ذلك من مواقف اقليمية، تبدو جميعها متفقة على دعم القضية الفلسطينية، لكنها مختلفة في كيفية التعامل معها، كتبنا اكثر من مرّة عن ضرورة عقد مؤتمر اقليمي يضم الدول العربية وبعض دول الاقليم المهتمة بالقضية الفلسطينية، لوضع تصور مشترك وواقعي للحل، لأن تعارض المواقف أسهم في تعقيد المسألة وتسبب في انقسام بين هذه الدول ألقى بظلاله على الشعب الفلسطيني، الذي انقسم بين الدول الداعمة لكل جهة فيه، وتسبب بما حصل في العام 2006 حيث ابتعدت حماس عن السلطة الفلسطينية في رام الله واقامت حكومة لها في غزة، ومن ثم صارت تتخذ قرارات مصيرية تتعلق بالقضية الفلسطينية بمجملها، ومن ضمنها قرار الحرب أو المواجهة مع إسرائيل، من دون الرجوع للسلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا والمتحدثة باسم الشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية، ما اضعف القرار السياسي الفلسطيني وأضعف الجبهة الداخلية ايضا، وأوصلنا إلى ما حصل يوم السابع من اكتوبر من العام الماضي وتداعياته المريرة.
لقد وضعت المواجهة العسكرية الحالية في غزة الجميع امام استحقاقات كان عليهم تقديرها، فالذين دعموا حماس وأسهموا في إبعادها عن سلطة رام الله، كان عليهم توقّع أن المواجهة الحاسمة مع اسرائيل آتية لامحالة، وأن مقدماتها التي بدأت بأكثر من مواجهة محدودة، رسمت صورة قاتمة لمستقبل الصراع وانعدام افق الحل بغياب التنسيق الفلسطيني بين غزة ورام الله المدعوم بغياب التنسيق بين دول الإقليم المنقسمة بين طرفي المعادلة الفلسطينية.
لقد كانت مقررات مؤتمر قمة بيروت العام 2002 واضحة، وهي الاعتراف المتبادل وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران العام 1967 لكن حماس ومن يقف وراءها اقليميا رفضت ذلك، وفضلت خيار المواجهة العسكرية مع إسرائيل من اجل تحرير فلسطين كلها، لكن هذا الخيار صعب التحقق بل يراه الكثيرون مستحيلا، ويمثل مضيعة للوقت وتكريسا للانقسام الفلسطيني الذي يضعف القضية ولايدعمها، حتى جاءت الحرب الاخيرة، التي بدأت بعملية (طوفان الاقصى) لتجعل الجميع في حيرة.. فالذين كانوا يدعمون حماس برؤيتها المتمثلة بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، لم يقفوا معها في الحرب الجارية حاليا بشكل مباشر، لأن كلفة ذلك عليهم ستكون باهظة، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ما جعل حماس وحدها في مواجهة غير متكافئة مع عدو تقف وراءه اميركا الغرب ومن معهم في العالم.
الجميع تقريبا يتحدثون اليوم عن حل الدولتين ويرونه المخرج الوحيد لإنهاء الصراع، وكان هذا الخيار لو تم الاتفاق بشأنه من قبل والزمت به حماس لتجنب الشعب الفلسطيني هذه الحرب المدمرة في الأقل، وإن لم يتحقق الحل النهائي بشكل سريع، ولما وجدت الدول الداعمة لحماس نفسها اليوم في مأزق أخلاقي، بسبب تداعيات سياستها غير الواقعية والتي يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني وحده، وتنذر ليس فقط بتدمير غزة بالكامل، بل بتهجير اهلها ووضع الناس هناك امام مصير مجهول، مثلما يضع القضية الفلسطينية كلها امام المجهول ويبعد اكثر فرص الحل الواقعية.
اليوم وبعد مرور هذه المدة الطويلة على الحرب في غزة، ما زالت دول الإقليم منقسمة على نفسها في كيفية التعامل معها ميدانيا وسياسيا، مايؤكد إن عجزها عن ايجاد توافق على رؤية مشتركة تجد طريقها إلى الميدان السياسي الدولي والفلسطيني معا لوضع حد لهذه الحرب، ويضع اسرائيل في مواجهة مع العالم، ناتج اصلا عن مشاريع متعارضة لبعض دول المنطقة، وليس بسبب القضية الفلسطينية التي استخدمت كإحدى وسائل الضغط المتبادل من أجل تحقيق تلك المشاريع التي لاعلاقة للشعب الفلسطيني بها، ما يجعل الصراع في المنطقة مفتوحا إلى ما لا نهاية.