ازمة رئاسة البرلمان العراقي.. لاحلول بلا توافقات
كتب / عادل الجبوري
لم يكن ما حصل من فوضى واضطراب خلال جلسة انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب العراقي في الثالث عشر من شهر كانون الثاني-يناير الجاري، خلفا لرئيسه المخلوع بقرار قضائي محمد الحلبوسي، شيئا مفاجئا او غريبا او خارج عن دائرة التوقعات لطبيعة الحراك والتفاعلات في المشهد السياسي العراقي العام على امتداد عقدين من الزمن، فعلى طول الخط، لم يحسم اي من المواقع العليا، كرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان، فضلا عن تشكيل الحكومات، الا بعد الكثير من الشد والجذب، والجدل والسجال، والتوافقات والمساومات والترضيات والصفقات!.
وفي جلسة انتخاب الرئيس، طرحت خمسة اسماء، هم كل من محمود المشهداني وشعلان الكريّم، وسالم مطر العيساوي، وطلال الزوبعي، وعامر عبد الجبار، الا ان المنافسة الحقيقية كانت محصورة بين الاسماء الثلاثة الاولى، بأعتبار ان المشهداني مرشح تحالف العزم، والكريّم مرشح حزب تقدم، والعيساوي مرشح تحالف السيادة. ووفق مجمل الحسابات، كان المشهداني هو الاوفر حظا بالمنصب، انطلاقا من دعم قسم كبير من قوى الاطار التنسيقي الشيعي له، الا ان الجولة الاولى من التنافس، جاءت خلاف التوقعات، ليتصدر الكريّم، وهو في واقع الامر مرشح الحلبوسي، بحصوله على 152 صوتا، ويحل العيساوي، وهو مرشح خميس الخنجر، ثانيا بحصوله على 97 صوتا، ولانه لم يحصل اي مرشح على اكثر من نصف الاصوات، لذا كان من المفترض ان يذهبا في نفس الجلسة الى جولة ثانية، يكون فيها من يحصل على اعلى الاصوات رئيسا للبرلمان، بيد انه بعد خمس ساعات، اعلن رئيس البرلمان بالانابة محسن المندلاوي رفع الجلسة الى امد غير معلوم.
ومع تصاعد حدة الجدل الذي كاد ان يصل الى مستوى العراك بين بعض الاعضاء تحت قبة البرلمان وفي داخل اروقته وكواليسه، راحت الدعاوى القضائية تتتالى الى المحكمة الاتحادية العليا. فالمعارضين لتولي شعلان الكريم، طالبوا المحكمة بالبت في بطلان ترشحه لمنصب رئاسة البرلمان، بدعوى انه مجدّ وامتدح نظام صدام، وكان له دور في تشكيل ما عرف بساحات الاعتصام في عام 2013، والتي كانت مقدمة لظهور تنظيم داعش الارهابي. بينما طالب حزب تقدم الداعم للكريّم بقوة، المحكمة الاتحادية بالبت في بطلان رفع جلسة البرلمان، لافتقار هذه الخطوة للاسس والمبررات القانونية السليمة.
وبين هذه الدعوى القضائية وتلك, راح حراك الكواليس يأخذ منحى تصاعديا متسارعا من أجل تطويق الأزمة واحتوائها, عبر البحث عن خيارات توافقية مرضية بالحد الأدنى للفرقاء.
ولعل الملفت والمختلف في الأمر, أن الخلافات والتقاطعات والتجاذبات بشأن قضية رئاسة البرلمان, لم تقتصر هذه المرة على قوى وشخصيات المكون السني, وانما امتدت إلى فضاء المكون الشيعي, وتحديدا الإطار التنسيقي, حيث أنه ما كان لشعلان الكريم أن يحصل على 152 صوتا في الجولة الأولى لولا تصويت بعض أطراف الإطار لصالحه. وهو ما أحدث الكثير من اللغط حول مستوى وحقيقة التماسك والانسجام بين قوى الإطار، وتبادل الاتهامات والانتقادات التي خرجت من نطاق الغرف المغلقة الى ميادين القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي.
ویبدو أن رفع جلسة انتخاب الرئيس الجديد, وحراك الكواليس, يمكن أن يعيد ترتيب أوراق الإطار بما يساهم في تقريب المواقف, وبالتالي بلورة موقف موحد الى حد ما, يعكس توجه الأغلبية, إن لم يحقق الإجماع.
في ذات الوقت، فإن قوى المكون السني، لاخيار امامها الا التعاطي بواقعية، والتحاور بهدوء فيما بينها من جانب، والاخذ بنظر الاعتبار طبيعة مواقف وتوجهات الشركاء من المكونات الاخرى من جانب اخر . وهي بالتالي تحتاج الى ان تتنازل لبعضها البعض، وتتعامل بفن الممكن، وتتحرك في المسارات المفتوحة وتتجنب الطرق الموصدة.
وهنا، اصبح واضحا ان فرص الكريّم في تولي رئاسة البرلمان باتت تكاد تكون معدومة بالكامل، اما من خلال صدور امر ولائي من قبل المحكمة الاتحادية العليا استنادا الى الدعاوى القضائية المرفوعة لها، والمشفوعة والمعززة بجمل قرائن وادلة واثباتات لاتقبل الشك، او من خلال المواقف السياسية الحازمة والقطعية لعدد من القوى والكيانات المؤثرة والفاعلة، ناهيك عن تراجع بعض او ربما اغلب-او حتى كل-الاطراف التي منحت اصواتها للكريّم في جولة التصويت الاولى، بعد ان وجدت نفسها في وضع حرج للغاية امام شركائها وجماهيرها ووسائل الاعلام.
ولتفادي كسر الارادات، فأن خيار التوافق يمكن ان يفضي الى ابعاد المرشحين السابقين، وتحديدا، محمود المشهداني وسالم العيساوي، والبحث عن مرشح توافقي يقبل به الشركاء والفرقاء والخصوم من كلا المكونين السني والشيعي، علما ان قوى المكون الكردي، لن تقف بالضد مما يتفق ويتوافق عليه الاخرون، فيكون من حزب تقدم، الذي ينتمي اليه الكريّم.
وهذا المخرج، ربما يشبه المخرج الذي انتهت اليه ازمة رئاسة الجمهورية في عام 2022 بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
الى جانب ذلك، هناك نقطة مهمة للغاية، لابد من الاشارة اليها، وهي ان ملف انتخاب رئيس البرلمان، بمجمل تفاعلاته وتداعياته لايخرج عن دائرة حسابات تشكيل الحكومات المحلية على ضوء نتائج ومخرجات انتخابات مجالس المحافظات، التي جرت في الثامن عشر من شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي، فأغلب الظن ان من صوتوا لمرشح الحلبوسي، كانوا يأملون ان يساندهم ويدعمهم الاخير في الحصول على منصب المحافظ في هذه المحافظة او تلك. وهذا بدوره يؤشر الى ان “معمعة” تشكيل الحكومات المحلية ستطول وتستغرق وقتا اطول من “معمعة” رئاسة البرلمان!.